ضرائب

أسباب اشتعال الأزمة بين موظفى الضرائب ووزير المالية

غياب إستراتيجية الفحص منذ نحو 4 سنوات، وارتباك المديريات بسبب عدم حسم مسابقة مديرى العموم ووكلاء الوزارة منذ عامين تقريبا، ثم قانون الخدمة المدنية الذى يقتطع من أجور مأمورى الضرائب المطالبين بتحصيل نحو %70 من إيرادات الخزانة العامة للدولة بواقع 422 مليار جنيه تمثل قيمة الربط الضريبى المستهدف للعام المالى الحالى 2015 /2016، كان من أبرز أسباب اشتعال الأزمة بين موظفى الضرائب ووزير المالية.
 
اصطدام موظفى الضرائب بمصطلح السياسة العليا فى كل ما يواجهونه من مشكلات، لا سيما بعد تغيير قيادة مصلحة الضرائب من الدكتور مصطفى عبد القادر إلى الدكتور عبد المنعم مطر، الذى كانوا يعلقون عليه آمالا عريضة، والتى أكد مقربون منه أنه حاول تحقيقها دون جدوى، هو الذى دفعهم للتظاهر والاحتشاد بالآلاف على سلالم نقابة الصحفيين فى سابقة لم تعرفها مصلحة الضرائب المصرية طوال تاريخها الطويل.
 
تعيد تظاهرات الضرائب اليوم إلى الأذهان تظاهرات الضرائب العقارية التى قادها كمال أبوعيطة، الوزير الأسبق، ضد وزير المالية الأسبق، يوسف بطرس غالى، ولكن بمنهج مختلف، فالتحصيل لم يكن ورقة الضغط التى اتبعها موظفو الضرائب العقارية وقتها نظرا لتضاؤل الحصيلة العقارية، بينما تمثل الحصيلة من ضرائب الدخل والمبيعات ورقة ضغط قوية، وهو ما لوَّح به متظاهرو الضرائب من 
وقف التحصيل ما لم تنفذ مطالبهم بإلغاء قانون الخدمة المدنية وتحويل مصلحتى الضرائب والجمارك إلى هيئة إيرادية مستقلة.
 
كان قانون الخدمة المدنية هو القشة التى قصمت ظهر البعير، ليتداعى الموقف وتتعاظم الأزمة بين وزير المالية وموظفيه نتيجة تجاهل مطلبهم والمراوغة دائما بالاجتماع مع قيادات من المصلحة وقيادات من النقابة العامة للضرائب لا يمثلون رأى المتظاهرين، وهو ما دفعهم وفقًا لما جاء على لسان معظمهم إلى زيادة الاحتقان.
 
إمهال الحكومة أسبوعا من أجل تحقيق المطالب أو الإضراب عن العمل، جاء وفقًا لإحدى المتظاهرات بسبب تعمد الوزير الاقتطاع من أجورهم لصالح قانون الخدمة المدنية، فيما أكدت متظاهرة أخرى أن لقانون الخدمة المدنية الفضل فى تعاظم أبواب الفساد نتيجة تنحية دور الرقابة الإدارية كجهة تحقيق مع أى موظف يخطئ وإرجاع الأمر برمته إلى رئيس الموظف المباشر فى العمل، وهو ما يفتح بابا 
كبيرا للفساد والمحسوبية، فضلا عن ضآلة ما قرره هذا القانون من حوافز للعاملين عما كان مقدرا قبل ذلك.
 
وشهدت الوقفة الاحتجاجية شبه إجماع على أن الأزمة مع وزير المالية انتهت بالقانون ولم تبدأ به، نظرًا لغياب إستراتيجية الفحص والانهيار الحاد الذى تعانى منه معظم البنية التحتية لجميع مأموريات المصلحة، لا سيما الموجودة فى المحافظات، فأدوات الكتابة والأحبار يشتريها الموظفون على نفقتهم الشخصية- على حد تعبيرهم-.
 
وأكد عدد كبير منهم أن الحصيلة التى تتحقق حاليا من مصلحة الضرائب يمكن أن تتضاعف لو تحسنت بيئة العمل وتم وضع إستراتيجية واضحة للفحص، وبدون تحقيق ذلك لن يبقى فى المصلحة سوى الفاسدين أو المغلوبين على أمرهم أو عديمى الكفاءة، لأن الكفاءات ستهرب إلى القطاع الخاص.
 
غليان المصلحة لم يكن وليد اللحظة، فالمعوقات كثيرة وعدم حسم الملفات العالقة سواء على مستوى الترقيات أو تسكين الأماكن الشاغرة بالموظفين طيلة عامين، فضلا عن تضرر الموظفين المادى بسبب تطبيق قانون الخدمة المدنية، فبحسب قولهم اختصر القانون الجديد حوافزهم لتتراوح بين 30 و120 جنيها بحسب الدرجة الوظيفية.
 
وتسبب تعامل المصلحة مع الأزمة الراهنة فى المزيد من الاشتعال، فحتى اللحظة الأخيرة حاول مسئولوها بث أخبار تتعلق بإلغاء الأمن للوقفة فى محاولة يائسة وخاطئة لاحتواء الموقف، ما زاد الأمر سوءا، وهو ما دفع بالآلاف إلى الشارع غير عابئين بدرجات الحرارة المرتفعة أو الطقس السيئ.
 
خبراء الضرائب ينظرون إلى الأزمة من ناحيتين، أولاهما أن وعود ربط الحافز بالإنتاج ستحول المصلحة إلى أدارة للتحصيل وجمع الأموال بشتى الطرق، وهو ما سينعكس على الاقتصاد المصرى الذى يسعى الجميع لدعمه، والثانية هى تعامل الوزير بمنطق الأخ الأكبر لموظفيه، فهو يؤكد لهم فى كل مرة أن الربط الضريبى المبالغ فيه هو السبيل الوحيد لتحسين أحوالهم المعيشية دون النظر إلى بيئة العمل التى يعملون بها.
 
من جانبه قال أشرف العربى، رئيس مصلحة الضرائب الأسبق والمستشار الضريبى لصندوق النقد الدولى، إن إصرار الوزير على التعامل بطريقة الربط الضريبى مقابل الحافز هو الذى أشعل غضب الموظفين، لا سيما أن قانون الخدمة المدنية ألغى منظومة الحوافز التى نص عليها قانون الضرائب رقم 91 لسنة 2005، والتى كانت تقضى بحافز 12 شهرًا لكل شهر، كما أن توقيت تطبيق تلك الآليات خاطئ جدا، ففى الوقت الذى يربط فيه الوزير تقديرا ضريبيا بنحو 422 مليار جنيه، وهو ربط مبالغ فيه للغاية يوقف حوافزهم بمدى إنتاجيتهم لتحقيق هذا الربط.
 
أما عن المخرج القانونى الذى قد يمكن الوزير من تحقيق مطالب العاملين فهو موجود- بحسب رأى العربى- فيمكنه التمسك بنظام الحوافز المنصوص عليه فى قانون الضرائب.
 
قال عمرو المنير، شريك الضرائب بمؤسسة ووتر برايس هاوس كوبرز، إن ربط الحافز بالإنتاج هو أمر غير جيد، لأنه سيحول المأمور إلى أداة لتحصيل وجمع الأموال دون النظر إلى سلامة الآلية المتبعة فى الربط والتحصيل.
 
وتسبب إصرار وزير المالية فى التعامل مع الأزمة بمنطق الأمر الواقع أيضا فى إثارة غضب الصحفيين، فقد ظل حتى اللحظات الأخيرة يكرر تصريحات من قبيل “لن يضار أى موظف من تطبيق قانون الخدمة المدنية”، رغم علم الجميع بالعكس، وهو ما أكده المتظاهرون مطالبين بضرورة لقاء الوزير بأنفسهم لتوضيح النقاط الخلافية، وهو ما لم يسمح به الوزير منذ بدء الأزمة.
 
كما صب العاملون غضبهم على الإعلام الذى يحاول بث رسائل من نوعية أن الحركة الاحتجاجية التى تشهدها مصلحة الضرائب للمرة الأولى هى حركة إخوانية يقودها مجموعة من المنتمين لجماعة الإخوان من أجل زعزعة الاستقرار، وهو ما اتضح من خلال هتافهم ضد أحمد موسى مذيع قناة “صوت البلد”.
 
وبمتابعة صفحات الضرائب على مواقع التواصل الاجتماعى نجد إصراراً على تحقيق المطالب التى سبق أن أعلنوها عدة مرات دون جدوى، ورغم الاختلافات الواضحة بين روابط الضرائب المختلفة، لكنهم فى النهاية وحدوا مطالبهم تجاه الحكومة المصرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى