إن للتأهيل والتدريب أهمية خاصة لا ينكرها أحد، وذلك للدور العظيم الذي يؤول إليه في خلق ونسج موارد بشرية جادة وفعالة.
وإذا كان العالم قد انبهر بمقولة الفيلسوف الصيني ” لاوتسو” اعط الرجل سمكة فبذلك تطعمه كل يوم ولكن إذا علمته كيف يصطاد السمك فإنك تطعمه لمدى الحياة”. فنحن نقول مع ” ستيفن كوفي”(: ” اصنع معلمين لصيد السمك يزدهر المجتمع كله ويتقدم” أي يجب أن نتحول من تكوين أناس جاهلين لا يعرفون شيئا إلى أناس عاملين يحتاجون إلى تطوير خبراتهم وسقل مواهبهم ودعمهم بما استجد من معطيات ومناهج تجعل عملهم أكثر فاعلية ومردودية. و قادرون على زرع فكر إداري متطور وتعامل حضاري راقي في أوساط الموظفين والمواطنين على السواء.خصوصا في هذا الوقت الذي أصابت فيه موجة عالمية الوطن العربي والإسلامي بما هي صحوة في التدريب:
· تدريب قيادات من أجل تغيير سلوك الإنسان وإعادة برمجته وتدريبه على كيفية تلقي المعلومة وكيفية تخزينها وبالتالي كيفية استخراجها وتوظيفها متى دعا الأمر إلى ذلك.
· تدريب الإنسان على حسن استخدام طاقاته. والعلم أثبت أن في كل منا طاقات هائلة، تحتاج فقط إلى تدريب على حسن استخراجها وتفتيقها لتنبع كالماء العذب تسقي الأوطان ازدهارا وتقدما ملموسا على كل صعيد.
يقود هذه الموجة الصاحية دكاترة وأساتذة تخرجوا من مدارس غربية فعادوا إلى ديارهم من أجل استنهاض قوى هذه الأمة، وتعليم أبنائها أسس الانطلاق في الآفاق من أجل استرجاع القيادة ورفع الرأس من جديد فوجدوا أمامهم نموا إعلاميا متصاعدا فركبوا موجات الإذاعات ليجوسوا خلال الديار العربية المسلمة لبث فكرة في أذن كل عربي مسلم: انهض وقدم شيئا لبلدك ..لأمتك..الأمة تحتاجك فأنت قائدها في المستقبل.
لا مناص إذن ولا غنى عن التدريب لمن أراد أن يكون رجل اقتصاد، أو رجل تعليم، أو رجل سياسة، أو حتى أن يكون أبا أو تكون أما. كما تقول السيدة الفاضلة الدكتورة كاترين شيرا سكوت، صاحبة كتاب ” القوانين العشر من أجل إنسان أفضل”: ” فما دمنا أحياء فليس باستطاعتنا إلا أن نتعلم” وكما يقول المثل الصيني الشهير: ” إذا أردتم أن تحصدوا بعد شهور فازرعوا قمحا وإذا أردتم أن تحصدوا بعد سنوات فازرعوا شجرا وإذا أردتم أن تحصدوا بعد مائة عام فعلموا الإنسان”
وإن شعور الأمة أو الكثير من شباب الأمة بضرورة التدريب هو الذي دفعه دفعا إلى تسجيل أسمائه ضمن دورات تدريبية بمبالغ مالية باهضة. وقد وجدنا أن البعض قد سافر مسافات طويلة لحضور دورة أومادة تكوينية، وليس آخرها الدورة التدريبية التي انعقدت بالدار البيضاء في شهر أبريل 2006 في القراءة السريعة “القراءة التصويرية”، والتي حج إليها المغاربة من كل فج عميق رغم أن تأشرة الدخول والاستفادة حددت في مبلغ ألفين درهما. وأن الكثير من الناس الذين وعوا أهمية التكوين لا يبرحون أماكنهم وهم جامدون قبالة جهازهم التلفزي يتتبعون حلقات من دورات تكوينية حتما ستفيدهم في حياتهم العامة أو الخاصة. والعالم يشهد أن دورة واحدة قد تقلب حياة الإنسان رأسا على عقب نحو الأفضل والشواهد على هذا كثيرة.
وإن الغرب من داخل منظومته الرأسمالية لم يتوانى في تكوين عمال الشركات وتأهيل المدراء من خلال دورات تدريبية راتبة تقتفي أثر الجديد في التكنولوجيا والتحديث في الوسائل والآليات من أجل مواكبة فاعلة ومن أجل مردودية أكبر وإنتاج أوفر. حتى أن شركات جديدة خرجت إلى الوجود تعنى بالتكوين والتأطير ومتخصصة في رفع كفاءة الجنس البشري. فصارت ملجأ للشركات الصغرى والكبرى ومختلف الإدارات من أجل التكوين والتأطير. كما أنها صارت ملاذا للناس لمعالجة مشاكل الزواج والأسرة والقلق على الحياة وكثير منهم يسأل عن سبل تحقيق السعادة في حياته الأسرية والمهنية.
وإن مثل ذلك نقوله عن التدريب في المجال الإداري لأنه مجال لا يقل أهمية عن أي مجال آخر سياسة كان أو اقتصادا أو تعليما…فيكفي أن نعلم أن الرتابة في العمل عائق حقيقي في وجه تقدم أي بلد. فما جدوى وجود اقتصاد مزدهر أو سياسة رشيدة مع وجود إدارة بها موظفون لا يزالون يعملون بعقول قروسطوية لا تعرف التحديث ولا التطوير. حتما ستتعثر كل المجالات في غياب إنسان متفاعل ومواكب ومستجيب.
وحتى مع وجود مراكز خاصة لتأطير وتكوين الموظفين فإن الإشكالية هي في مفهوم التدريب ذاته حيث لم يعد مفهوماً تقليدياً يقتصر على تنظيم الدورات التدريبية التقليدية ومنح شهادات التقدير والمشاركة، أو عقد دورة تدريبية لمدة يوم في موضوع يحتاج إلى شهر كامل. بل أصبح خياراً إستراتيجياً في منظومة استثمار وتنمية الموارد البشرية، خصوصا وأن الإنسان لم يعد يطلق عليه اسم العامل أو الموظف مثلما نفعل نحن لحد الآن، بل أصبح يطلق عليه اسم المورد البشري، ولذلك يعتبر الإنسان من أهم الموارد التي تقوم عليها صروح التنمية والبناء في أي دولة وفي أي مكان على وجه البسيطة. ولقد تسابق العلماء في تخصصات مختلفة على تعظيم الإنسان، فأطلق عليه الاقتصاديون اسم رأس المال البشري.. كما أطلق عليه المحاسبون اسم الأصول البشرية.. أما الإداريون فقد سموا الإنسان بـرأس المال الذكي أو رأس المال المبدع أو رأس المال المعرفي. وفي إطار هذه التعظيمات لقدرات الإنسان، خصوصا إذا علمنا بأن الإنسان يعد بحق هو الثروة الحقيقية لكل الدول والشعوب كما أنه يعد القلب النابض والحيوي في قلب التنمية الحقيقية الشاملة، سواء بالنسبة للقطاع الخاص أو القطاع العام أو القطاع الحكومي وغيره من مؤسسات المجتمع المدني. فإذا كانت نهاية القرن العشرين قد أطلت على العالم بثورة المعلومات التي أفرزت ثورة إدارية اتجهت نحو تغيير الأسلوب والمنهج التقليدي في إدارة المنظمات والمؤسسات. وأصبح التركيز على الإنسان الكفء القادر على التعامل مع التغيرات والمستجدات والتطورات، بحيث يصبح الثابت الوحيد في عالم اليوم والغد هو (التغيير) وأصبحت الإدارة هي إدارة عمليات التغيير وصولاً إلى إدارة الجودة الشاملة وتعتمد هذه المنهجية الجديدة لإدارة الجودة الشاملة على العنصر البشري وتنميته وتطويره بصفة مستمرة، فهي إذن تتغير من مؤسسات ذات أهداف واضحة وذات صفة كمية ونشاط نمطي، إلى مؤسسات ذات أهداف متجددة متنوعة ومترامية لا تقتصر في نوعيتها على كم محدود، بل قد تتجاوزه إلى نواح ومتطلبات غير كمية صعبة القياس.
وهنا تتجلى إطلالة التدريب كآلية مستمرة للمواكبة والمواصلة ومواجهة التحديات. ولذلك يحتل التدريب مكانة بارزة في خطط التنمية في كل بلد لا زال يحترم نفسه ويتطلع لغد زاهر مشرق.