يحتوي النظام الرقابي المصرفي المصري على المقومات الأساسية للرقابة المصرفية التي تقترحها لجنة بازل حيث:
– يملك البنك المركزي المصري سلطة اتخاذ الإجراءات التصحيحية لمواجهة الخلل في العمل المصرفي.
– تتوافر المعلومات عن وحدات الجهاز المصرفي المصري حيث يلزم البنك المركزي كافة البنوك العاملة في مصر بتقديم بيانات دورية عن أعمالها.
– بالنسبة لأساليب الرقابة البنكية في مصر فهي تتم بالتشاور مع البنك المركزي المصري والجهاز المركزي للمحاسبات.
– تتمتع السلطات الرقابية بالاستقلالية في مواجهة أية تغيرات سياسية.
– تتمتع السلطات الرقابية بقدرة الحصول على المعلومات والتعاون مع السلطات الأخرى بما يدعم قوة النظام الرقابي.
وهذا يعني إمكانية فرض بعض المعايير الرقابية التي يتعين إضافتها إلى ما هو قائم، فإن توافر المقومات الأساسية للنظام المقترح من قبل لجنة بازل يعني أن قبوله لن يشكل "صدمة" للجهاز المصرفي بل ربما يمثل ضرورة لإضفاء مصداقية أكثر ليس فقط لأداء الجهاز المصرفي بل للاقتصاد المصري ككل لا سيما من قبل المؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، مؤسسات التقييم المختلفة Rating Agencies ..ألخ)
كما يمكن تعظيم المنافع الإيجابية من الموافقة على تلك المعايير من خلال التأكيد على التزام لجنة بازل بتوفير المساعدات التدريبية لقاعدة عريضة من المراقبين المصريين كفرصة لإعداد الكوادر الرقابية ذات الخبرات العالمية في ذلك المجال.
ومع ذلك فإنه يجب من الآن الاستعداد لتطبيق ذلك النظام بتحقيق درجة أعلى من الشفافية بالنسبة لما تعلنه البنوك المصرية من بيانات عن أدائها، وتعزيز رقابة البنك المركزي سواء "المكتبية" من واقع البيانات المقدمة إليه، أو "الميدانية" باستخدام سلطته في التفتيش على البنوك.
ومن ناحية أخرى يؤكد النظام المقترح على استقلالية السلطات الرقابية على الاضطرابات السياسية مما يطرح قضية "استقلالية" البنك المركزي، فضلاً عن قضية الفصل بين الوظيفة الإشرافية أو الرقابية على الجهاز المصرفي من ناحية ووظيفة رسم السياسة النقدية والائتمانية من ناحية أخرى وهو الاتجاه الذي اتضح مؤخراً في إنجلترا حين انتزعت مهمة الإشراف على الجهاز المصرفي (وقطاع المال ككل) من البنك المركزي البريطاني Bank of England وأوكلت إلى مجلس الاستثمارات والأوراق المالية Securities and Investments Board وذلك في 20 مايو 1997. وقد يكون من الملائم البدء في بحث القضايا من قبل السلطات النقدية والرقابية والوصول إلى تصور بشأنها.
أدى تزايد سرعة عجلة العولمة المالية في السنوات الأخيرة، إلى تزايد الأزمات المالية وانتشارها وتأثر بعض الدول بأزمات دول أخرى، وأشارت الدراسات التي بحثت أسباب تلك الأزمات وأساليب علاجها إلى أن أزمات البنوك كانت قاسماً مشتركاً في معظم حالات الأزمات المالية سواء في الدول النامية أو المتقدمة، ولقد كانت المخاطرة الناتجة عن الائتمان، بالإضافة إلى سوء الإدارة من أهم الأسباب التي أدت إلى تعثر البنوك وحدوث الأزمات.
هناك شبه إجماع بين الخبراء المصرفيين بأن مخاطر الائتمان تأتي على قمة المخاطر المصرفية، ومن هنا كان اهتمام لجنة بازل للرقابة (الإشراف) المصرفية بإصدار أسس إدارة مخاطر الائتمان وذلك في 16 يناير 2001 وهي تعتبر أحدث النتائج والدراسات التي أنجزتها اللجنة أخيراً(72).
ومن الواضح أن المقترحات الجديدة للجنة بازل التي من المقدر لها أن تصبح سارية المفعول بحلول عام 2005 – وذلك في حالة إذا لم يطرأ عليها أية تعديلات مقترحة جديدة من قبل البنوك – ستمكن الشركات ذات الملاءة المالية القوية باقتراض الأموال التي تحتاج إليها بصورة أكثر يسراً من ذي قبل، حيث ستصبح عميلاً ذات جدارة ائتمانية عالية وهو ما يعني متطلبات رأس مال أقل من جانب البنوك في حالة إقراضها لتلك النوعية من الشركات، على حين ينبغي على ذات البنوك زيادة رؤوس أموالها في حالة قيامها بإقراض شركات ذات ملاءة وقدرات مالية أقل. كما قد تؤدي تلك المقترحات إلى تراجع التدفقات النقدية إلى الأسواق الناشئة(73).
ومن جهة أخرى فإن المخاطر التي سوف يتم تضمينها وفقاً للقرارات الجديدة تشمل مدى أوسع للمخاطر المصرفية مقارنة بالمخاطر التي تضمنتها اتفاقية بازل عام 1988 والتي طبقت حينئذ في أكثر من 100 دولة وهو ما يعنى قيام البنوك خاصة الكبيرة منها بدراسات دقيقة وشاملة لأنظمة إدارة المخاطر حتى تستطيع تدعيم موقفها التنافسي عند تطبيق تلك المقترحات.
وعلى الرغم أن المقترحات الجديدة لم ترفع الحد الأدنى لمعدل كفاية رأس المال عن مستوى المعمول به حالياً (8%) إلا إن إدراج أنواع جديدة من المخاطر يمكن أن يؤدي بذاته إلى زيادة كبيرة في الحجم المطلق لمتطلبات رأس المال.
ولا شك أن هذا يعني ضرورة دراسة البنوك لتلك القواعد بصورة متأنية نظراً لإدراجها أنواع جديدة من المخاطر لم تكن موجودة من قبل، وهو ما يعني ضرورة الالتزام بتطوير النظم والإدارات الخاصة بالمراجعة الداخلية والتفتيش من جهة، مع الأخذ بالأساليب الفنية المتقدمة في إدارة المخاطر من جهة أخرى نظراً لارتباط ذلك بصورة مباشرة بحجم رأس مال البنك وكذا مستويات تقييماته.
ويذكر أن عمليات التقييم المستمرة للبنك حتى يكون له تقييم معلن سوف تزيد من مستوى تكاليفه نظراً لأهمية ودورية تلك التقييمات لتحديد درجة جدارة البنك، كما أن منح السلطات الرقابية الحق في الاستناد إلى العديد من العوامل الإضافية عند تحديد رأس المال المناسب للبنك (مثل الخبرة – نوعية الإدارة ….) يستدعي الاهتمام بتدعيم هذه العناصر خلال المرحلة القادمة.
ومن ناحية أخرى فإن الأمر يستوجب الوضع في الاعتبار إمكانية دراسة رفع رؤوس أموال البنوك سواء بطريق مباشر من خلال بورصة الأوراق المالية أو من خلال عمليات الاندماج – على المدى القريب نظراً لعدم اعتياد المنشآت العاملة في مصر وكذا العملاء على الأخذ بأساليب التقييم المقررة من جهة وكذا عدم تنامي أعمال المؤسسات العاملة في هذا المجال في مصر من جهة أخرى، مما سيلقي بعبء أكبر على رأس مال البنك نظراً لأن عدم تقييم العملاء سوف يرفع من أوزان مخاطرهم إلى 100% على أقل تقدير، علاوة على ما سيتم منحه للمراقبين من سلطة على البنوك لإجبارهم على الاحتفاظ براس مال أعلى من الحدود الدنيا المطلوب الاحتفاظ بها.
وإذا ما وضعنا في الاعتبار أن التقارير العالمية الحالية تشير إلى صعوبة توفيق العديد من البنوك خاصة الصغير منها لأوضاعها بحلول عام 2005 لاتضح لنا مدى أهمية الجهد الذي يجب أن يبذل حتى يمكن الوصول للعمل بتلك المقررات في الموعد المحدد وبالكفاءة اللازمة(74).
وقد كان من المقرر أن يتم التوصل إلى إتفاق بشأن هذه المقترحات الجديدة في نهاية يونيو 2001، ولكن نظراً للخلافات التي أثرت حول الإطار المقترح، فقد تم التأجيل لمدة عام آخر لمزيد من الدراسات والمناقشات على أن يتم إقرار التعديلات بالإطار الجديد عام 2002 وبحيث يبدأ التطبيق في عام 2005 بدلاً من 2004.
وخلاصة القول أن المقترحات الجديدة التي تقدمت بها لجنة بازل – شأنها في ذلك شأن كل جديد – ما زالت مطروحة للنقاش من جانب البنوك وسوف يظل الباب مفتوحاً أمامها لإبداء تعليقاتها بشأن تلك المقترحات.