اعداد محاسب

تعرف على أثر الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية على مهنة المحاسبة والمراجعة في مصر

خضعت مهنة المحاسبة والمراجعة – كغيرها من العديد من المهن الخدمية – للتحرير التدريجي اعتباراً من أول يناير 1995م وهو تاريخ بدء العمل باتفاقية الجات، على أن يتم التحرير الكامل في نهاية عشر سنوات من هذا التاريخ أي مع بداية عام 2005 م.

ونتناول فيما يلي أهم مبادئ اتفاقية الجات في مجال الخدمات، مع التركيز على بيان أثر كل مبدأ من هذه المبادئ على مهنة المحاسبة والمراجعة ومزاوليها في مصر.

(1) مبدأ التحرير التدريجي :

ويقصد به الإزالة التدريجية لمختلف القيود التي تعرقل انسياب حركة التجارة في الخدمات بين الدول الأعضاء.

وتنفيذاً لهذا المبدأ يتعين على مصر وغيرها من الدول الأعضاء في الاتفاقية والمنظمة تعديل تشريعاتها التي تنظم مهنة المحاسبة والمراجعة قبل بداية عام 2005م بما يسمح بالتخلص نهائياً من القيود الكمية التي تضعها على حرية انتقال خدمات هذه المهنة ومزاوليها كعدد مورديها، وقيمة الخدمات المسموح بتوريدها، وعدد الأشخاص الذين يجوز توظيفهم في المهنة، وطبيعة الكيان القانوني للوحدات ( المكاتب) التي تزاولها، ونسبة مشاركة رأس المال الأجنبي للوطني في هذه المكاتب وغير ذلك من القيود التي قد تنص عليها تشريعات مهنة المحاسبة والمراجعة بهدف عرقلة دخول مزاولي المهنة الأجانب.

ولا شك أن إزالة هذه القيود من تشريع مهنة المحاسبة والمراجعة المصري سوف يؤدي إلى حرية دخول مكاتب المحاسبة والمراجعة الأجنبية للسوق المصري. ومن المعروف أن هذه المكاتب تعتمد في مزاولتها للمهنة على العناصر ذات الخبرات والمهارات العالمية المتخصصة المتراكمة، وهو ما يمكنها من تقديم الخدمات المهنية، وبصفة خاصة الاستشارات منها بكفاءة عالية وبطريقة متكاملة وبشكل مميز.

ولما كانت مكاتب المحاسبة والمراجعة الوطنية تفتقر إلى هذه العناصر، فإنها سوف تكون في موقف تنافسي ضعيف أمام مثيلاتها من المكاتب الأجنبية ولاسيما وأن الأخيرة تتمتع بإمكانيات مالية تسمح لها بقبول أتعاب مهنية أقل – كاستراتيجية مؤقتة – من التي تعرضها المكاتب الوطنية وذلك بغرض إزاحة الأخيرة من السوق، الأمر الذي يعني إخراج مكاتب المحاسبة والمراجعة الوطنية من سوق المهنة وسيطرة المكاتب الأجنبية على هذا السوق.

ومما يؤكد على ماسبق ما أوضحته الدراسة التى أجرتها لجنه الخبراء فى معايير المحاسبة الدوليه والتقارير ( United Nations intergovrnmental working group of Experts on international standards of Accounting and Reporting (ISAR))
من أن النقص الكبير فى المحاسبين المؤهلين لدى الدول النامية سوف يكون له تأثيره السلبى على المهنة فى تلك الدول، الأمر الذى سيجعل حظها فى الاستفادة من تحرير التجارة فى هذه المهنه قليل(14) . وبمعنى أخر فان عمليات المراجعة الجديدة سوف تجد طريقها إلى مكاتب المحاسبة الأجنبية.

وعلاوة على ما سبق، فان المكاتب الأجنبية سوف يكون لها الأولوية المطلقة فى مراجعة حسابات الشركات الأجنبية التى تعمل فى مصر سواء كانت هذه الشركات مركزها الرئيسى داخل أو خارج مصر. بل إنه من المتوقع أن تنفرد هذه المكاتب بمراجعة قطاعات معينة ذات أهمية فى الاقتصاد كالبترول و المؤسسات المالية، وهو الامر الذى يعنى عدم توفير الحماية للمعلومات الاقتصادية القومية.

وقد اكد على ذلكBryan Carsberg سكرتير عام لجنة معايير المحاسبة الدولية بقوله : أن هناك خطراً على الدول النامية من تطبيق اتفاقية الجات وأنه سوف يبدأ عاجلاً فى إعداد مشروع يراعى فيه مصالح هذه الدول .

(2) مبدأ عدم التمييز(الدولة الأولى بالرعاية) :

ويُقصد به سريان أية ميزة يمنحها عضو المنظمة لآخر على كافة أعضاء المنظمة دون شرط أو قيد أو حتى مجرد المطالبة بذلك.

ومن ثم، فإن قيام عضو ما بمنح مزاولي مهنة المحاسبة والمراجعة المصريين لبعض المزايا في مجال توريد هذه الخدمة يتطلب منح ذات المزايا لجميع الدول الأعضاء دون طلب منها، وهو الأمر الذي يعني عدم استفادة مزاولي المهنة المصريين من أية معاملة تمييزية قد تمنحها بعض الدول لمصر في مجال مهنة المحاسبة والمراجعة.

(3) مبدأ المعاملة الوطنية :

ويُقصد به معاملة موردي الخدمات الأجانب نفس المعاملة التي تقدم لنظرائهم المحليين وبلا تمييز ضد المورد الاجنبى.

ويؤدي تطبيق هذا المبدأ إلى التقليل من جدوى توفير الدعم اللازم لمكاتب المحاسبة والمراجعة الوطنية الوليدة أو غيرها مما قد تكون في حاجة إلى دعم، الأمر الذي يؤدي إلى تضاؤل فرص ظهور مكاتب يمكن أن تأخذ دورها في المستقبل أمام المكاتب الأجنبية العملاقة التى تشكل بطبيعتها قوة اقتصادية تنسجم مع المتغيرات الجديدة.

هذا بالنسبة لمكاتب المهنة الوليدة، أما بالنسبه لمكاتب المهنه القائمة فان الكاتب يرى أن الحجم الحالى لهذه المكاتب لن يمكنها من الصمود أمام مكاتب المهنة الأجنبية، وبمعنى أخر، فان عامل الحجم سوف يكون له دور فى استحواذ المكاتب الاجنبية على الكثير من عمليات المراجعة فى مصر فى ظل افتقاد مكاتب المهنه الوطنية للحماية.

إن مفهوم الحماية الوطنية لمهنة المحاسبة والمراجعة، وغيرها من المهن، قد بدأ يتلاشى إذ أصبحت المهنة شأناً دولياً لا محلياً بعد اتفاقية الجات، ومن المتوقع أن ينتهي مفهوم السيادة الوطنية المطلقة على مهنة المحاسبة والمراجعة بانتهاء الفترة الانتقالية التي حددتها منظمة التجارة العالمية مع مطلع عام 2005م.

(4) مبدأ الشفافية :

ويقصد به قيام حكومات الدول الأعضاء بنشر القوانين والأنظمة المرتبطة بمهنة المحاسبة والمراجعة وكذا ابلاغ المنظمة بأى تغييرفى هذه القوانين والأنظمة بالاضافة إلى الاجابة عن الموضوعات التى يتم الاستعلام عنها من الشركات الاجنبية.

ولا شك ان الهدف من هذا المبدأ هو ضمان تسهيل انتقال مزاولى المهن ومنها مهنة المحاسبة والمراجعة.

(5)مبدأ الإعتراف بالإجازات والشهادات والخبرات المكتسبة التي تمنحها الدول الأعضاء

ويقصد به ضرورة التزام كل عضو بقبول المؤهلات العلمية والخبرات العملية لموردي الخدمات الأجانب وفقاً ” للمعايير العالمية المتعارف عليها “.

وفى هذا الصدد، فقد سارعت منظمة التجارة العالمية بوضع ارشادات لمؤهل عالمى موحد لقطاع مهنة المحاسبة والمراجعة حتى يمكن تسهيل التفاوض على الاعتراف المتبادل بالمؤهلات المهنية التى تعطى الحق فى ممارسة مهنة المحاسبة والمراجعة دولياً. غير أن الكاتب يرى أن هذه الارشادات تتسم بالعمومية ولاتتلاءم مع ظروف الدول النامية نظراً لاختلاف القوانين ونظم التعليم ومتطلبات الاقامة، وكذا معايير المحاسبة والمراجعة فيما بينها، بل إن هذه الارشادات تعرضت لانتقادات من جانب الدول المتقدمة ذاتها نظراً لاختلاف قوانينها ونظمها التعليمية ومتطلبات الاقامة فيها أيضاً.

ومن الملاحظ أن مصطلح ” المعايير المتعارف عليها ” مصطلح مطاط عادة مايُساء استخدامه من قبل الدول المتقدمة، ومن ثم فمن المتوقع أن يستخدم هذا المصطلح كأداة لحرمان ممارسي المهنة من الدول النامية ومنها مصر لولوج الأسواق الأجنبية، وذلك بفرض ارتفاع كفاءتهم المهنية. وفي المقابل نجد أن الدول النامية، ومنها مصر أيضاً، تلتزم -وفقاً لهذا المبدأ – بمنح مزاولي المهنة الأجانب التراخيص اللازمة لقيامهم بمزاولة المهنة على أراضيها.

وتجدر الإشارة إلى أن الدول المتقدمة لديها من الخبرات والأساليب والأدوات مايمكنها من الحد من نفاذ خدمات المكاتب الوطنية ذات الكفاءات العالية إليها، فالاتفاقية تحتوي على العديد من التعريفات والإحالات والآجال والتوقيتات والتفسيرات والتفاهمات والحقوق والإلتزامات، وكذا الاستثناءات المطلقة والمعلقة والدائمة والمؤقتة بالإضافة إلى العديد من المصطلحات الغامضة وهي بهذا تحتاج إلى خبرات وكفاءات إدارية يكون لديها القدرة على افتعال وإدارة الأزمات بغرض تعظيم المنافع وتدنية الخسائر على حساب الآخرين، وهوماتفتقر إليه الدول النامية، ومنها مصر.

وفى ضوء الآثار السابقة يمكن القول بأن انضمام مصر إلى اتفاقية الجات سوف يؤدي إلى انسحاب بعض مكاتب المحاسبة والمراجعة الوطنية من سوق المهنة، وقيام البعض الآخر بتقليص عدد العاملين بها، وهو ما يؤدي بدوره إلى أضعاف المهنة وتآكل دعائمها. الأمر الذي يدعونا إلى دراسة وتحليل واقع التأهيل المهني للمحاسب في مصر كخطوة وركيزة رئيسية لتدعيم الموقف التنافسي لمكاتب المهنة الوطنية أمام نظائرها من المكاتب الأجنبية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى