تنمية بشرية

إرادة معلَّقـة

عائشة الحكمي

يصطلح علماء النفس على الشخص الذي يأتي عند مرتبة الموازنة بين الميول ويقف، أو يقدِّم رجلاً ويؤخِّر أخرى فلا يصل إلى قرار نهائي، وحتى إذا وصل فإنما يكون ذلك بعد فوات الأوان- بالشخص (ذي الإرادة المعلَّقة).
ذو الإرادة المعلَّقة هو شخص متحيِّر؛ كأنما خرّ من السماء فتخطفه الطير، أو تهوي به الريح في مكانٍ سحيق! إنه أشبه ما يكون بورقةٍ خريفية انتزعت من شجرتها لتعبث بها الريح بين ساقيها كما تشاء.
شخصٌ تائه يتيه في الأرض فتطوّحه طوائح الدهر، وتذهب به هنا وهناك، لا يدري إلى أين يمضي؟ أو إلى أين يسير؟ لا يدري ما الصواب وما الخطأ؟ متى يقول نعم؟ ومتى يجيب بـ لا؟ متى يتوقف؟ ومتى يكمل المسير؟ حتى إذا أتته الحيرة في ثوبها الشفيف متزينة مستعطرة، تهمس في أذنيه: (هيت لك)! أصبح كالنشوان ذاهب العقل، لا يستفيق من هذه الحيرة، حتى تضربه شمس الندامة بسوطها المؤلم الموجع، فيعلم حين العلمُ لا يجدي الفتى أن طريق الحقيقة الذي ضيعه.. قد كان أمامه!
إنه شخصٌ تعيس وإن تبسّم، حزينٌ وإن أسمع الدنيا قهقهاته! إذ كم قطارٍ للفرص فاته ركوبه!.. وكم خارطةٍ للنجاح ضاعت من بين يديه!..كم ضوءٍ للصواب عمي عنه!..وهلالٍ للخير غُمّ عليه!..والنتيجة..فشلٌ وألم..خيبةٌ وندم!
ذو الإرادة المعلقة يعلِّق التفكير في اختيار التخصص الجامعي إلى قبيل اختبارات القبول بأيام، يعلّق اختيار الزوجة الصالحة إلى قبيل رغبة والدته باختيار زوجةٍ مناسبة له بأسابيع.. وإذا خُيِّر بين وظيفتين توقف بينهما فيضيعهما معاً، وإذا قُدِّم له مشروعان تحير فيهما فلم يختر أياً منهما.. ولذلك يحتاج ذو الإرادة المعلقة إلى من يشدّ أزره، ويدلّه على طريق الخير فيما يفيده لحاضره ومستقبله!
أجل..إنه بحاجة إلى دليلٍ ومرشدٍ وهادٍ إذا في الأمر أدلج.. وصديقٍ مخلصٍ مشجع إذا في العزم لجلج!..بحاجةٍ إلى من يشحن في عقله البصيرة التي نفدت طاقتها، ويملأ في قلبه القوة النفسية التي تعينه على اتخاذ القرار..
فلنفتش عنه جميعاً فهو إنسان مثلنا، يعيش معنا وبيننا، قد يكون أخاً شقيقاً أو قريباً من ذوي الأرحام، قد يكون جارنا الملاصق أو صديقنا العزيز، قد يكون صغيراً أو كبيراً..رجلاً أو امرأة.. ومتى وجدتموه يا سادة فلا تتردّدوا لحظةً واحدة في نجدته، ارموا له من قلب محبٍ حبالاً من التعاون والاحتواء والحب؛ ليتعلق بها قبل أن يستمر في الغرق.. فهو غارقٌ حتى أذنيه بين آلاف العروض والأفكار والأحلام، لكنه عاجز عن البتّ فيها والاختيار من بينها.
أجارنا الله من عذاب الإرادة المعلقة، ووهبنا جميعاً إرادةً حازمةً قوية تنفذ ما يقضي به الفكر والتروي في حينه، بعد استخارة الله -عز وجل- واستشارة ذوي الرأي، فقد قال تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتَوَكّلِينَ). ]آل عمران:159 [

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى