مقدمة :-
منذ قدم التاريخ ونتيجة للتطورات التي طرأت على علم المحاسبة وظهور القيد المزدوج كان واجبا علينا أن نتطرق إلى معرفة أسس و أساليب النظام المحاسبي ( مجموعة القواعد والمعايير التي تحدد أسس القياس والإفصاح والعرض ) فيما عرف بالسياسات المحاسبية التي هي محور دراستنا اليوم . أن عملية اختيار السياسة المعنية إنما يعتمد على عدة أمور لعل من أهمها تقدير مدى المعرفة بالجوانب كافة والتي من الممكن أن تؤثر على الموقف المالي للوحدة الاقتصادية التي يعد عنها الحسابات الختامية بصورة دورية ، وعليه فان السياسة المحاسبية تمثل سلوكاً او تصرفاً يسلكه المحاسب عند قيامه بالعمل المحاسبي من قياس وافصاح ، وأن تطبيق سياسة دون أخرى انما يعتمد على مدى ملاءمة تلك السياسات للظروف المحيطة المختلفة ومدى قناعة المحاسب بتوظيفها بما يخدم مصلحة الوحدة الاقتصادية والمستفيدين من مخرجات النظام المحاسبي فيها .
قبل التطرق إلى تعريف السياسات المحاسبية لابد من معرفة ماذا تعنى كلمة سياسية
تشير السياسة (اصطلاحاً) إلى : السلوك (مرعشلي، 1974 ، ص628) كلمة سياسة تعنى مجموعة معايير ونظم وقواعد حاكمة للنظام طبقا للظروف والعوامل المحيطة به سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو بيئية وذلك بهدف الوصول للمستوى المرجو منها ، وعلى هذا الأساس فقد عرفت السياسة المحاسبية من قبل الأستاذ مقداد الجليلي بأنها : سلوك او تصرف يسلكه المحاسب في عمله اليومي وكذلك عند قيامه بإعداد الحسابات الختامية لاستخراج نتائج الأعمال وتحديد قائمة المركز المالي ، وهي تحظى بقبول شبه عام لدى المحاسبين ، وتتميز بمرونتها في التطبيق ، اذ يختلف تطبيق السياسات المحاسبية باختلاف سلوك المحاسبين في قياس وعرض انشطة الوحدة . (أيوب، 1991، ص69) (طاهر ، 1989، ص38) ويرى آخرون ان السياسات المحاسبية تنصرف إلى مجموعة التشريعات والأنظمة والتعليمات المالية التي تصدرها جهات حكومية ومنظمات مهنية معنية بالعمل المحاسبي ، تلك التي تشكل بمجموعها اجراءات تفصيلية واساليب محددة لضمان التوحيد في العمل المحاسبي بهدف تحقيق الغايات المرجوة من اتباع تلك السياسة ، وبذلك فان اتباع سياسة محاسبية معينة لا يعني الخروج عن المبادئ المحاسبية بل يعني اختيار الأسلوب أو الطريقة التي يراها المشرع أنها الأكثر ملاءمة للظروف الاقتصادية والاجتماعية الحالية. (مصطفى ومرعي، 1992، ص ص4-5)
ويوجد تعريف آخر لسياسة المحاسبية بأنها مجموعة المعايير والقواعد المحاسبية التي تحكم عمليات القياس والإفصاح والعرض وتحليل البيانات الواردة بالتقارير المالية لمنشاة ما في مجتمعا ما طبقا لظروف المجتمع سواء( اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية ). وطبقا لما سبق فان كل منشاة تطبق السياسة المحاسبية الخاصة بها طبقا لظروف المجتمع المحيط بها .
وقد عرف المعيار المحاسبي الدولي رقم 8 السياسة بانها ” عبارة عن المبادئ المحددة و القواعد و الاعراف و الاحكام و الممارسات المتبعة من قبل المنشاة في اعداد و عرض البيانات المالية” .
مصادر السياسات المحاسبية :-
تتعدد مصادر السياسات المحاسبية ومن اهم هذه المصادر مايلي:-
1- المبادئ والقواعد المحاسبية المقبولة قبولا عاما من أعضاء المهنة :
حيث يعد هذا المصدر أقدم واهم مصادر بناء السياسة المحاسبية وما زال هذا المصدر محتفظا بأهميته في كثير من الدول حيث أن هذا المصدر يلقى قبولا عاما من أعضاء المهنة .
2- الجهة الحكومية المختصة أو المفوض بذلك :
سيادة الحكومة و سلطة القانون تتيح للجهات الحكومية فرض سياسات محاسبية معينة ، وقد تلجا اللجنة المختصة ببناء سياسة محاسبية الي المبادئ و القواعد المحاسبية لفرض سياسة محاسبية علي المنشآت العاملة في المجتمع . ويعاب على هذا المصدر الجمود ومشاكل التطبيق التي تؤدى إلى بطء في إيجاد حلول . وأيضا تعانى من التخلف في مسايرة التطورات والتغيرات في المجال المحاسبي .
3- أعضاء مهنة المحاسبة :
المنظمات المهنية المعنية بالمحاسب و المحاسبة تعتبر من اهم المصادر خاصة اذا ما كان هناك إلزام لأعضائها ،ويعد هذا المصدر مميز حيث يتميز بمزايا عديدة منها القابلية للتطبيق والمرونة والالتزام المهني .
ولدينا سؤال يطرح نفسه . هل يترك للمحاسبين حق وضع السياسات المحاسبية الخاصة بمنشاة ما ؟؟؟
أهمية السياسات المحاسبية:-
1- تساعد السياسات المحاسبية على توضيح العلاقة ومدلولات الأرقام الواردة بالقوائم المالية للمنشاة
2- تساعد في اختيار أفضل البدائل المحاسبية الملائمة للظروف والعوامل السائدة سواء على مستوى المنشاة أو المجتمع مما يؤدى إلى التوصل لقوائم مالية ذات بيانات عادلة تخدم أصحاب المصالح دون تضليل وأيضا عدم تفضيل مصالح فئة معينة على فئة أخرى.
3- تحديد السياسة المحاسبية للمنشاة يعد أمر ضروريا حيث إن مقارنة البيانات الواردة بالقوائم المالية ضروري للحكم على مدى كفاءة المنشاة.
ان القابلية للمقارنة Comparability. من أهم المقومات الواجب المحافظة عليها عند تحديد السياسات المحاسبية وتطبيقها .
4- مرونة السياسة المحاسبية تؤدى إلى استيعاب الاختلافات القائمة بين القطاعات الاقتصادية المختلفة وأيضا انعدام أو انكماش هذه الاختلافات على مستوى القطاع الاقتصادي الواحد. وهذا يضمن إمكانية إجراء المقارنات بين نتائج الأنشطة الاقتصادية للمنشات بناء على ما يرد بقوائمها المالية .
5- وضع سياسة محاسبية يؤدى إلى تحقيق مبدأ المقارنة الذي يساعد على عدم التحيز والدقة والموضوعية في الإفصاح عن كفاءة وقدرة المنشاة ومستوى تحقيقها للأهداف التي قامت من اجلها.
6- وضع سياسة محاسبية سليمة يحقق التمتع بالموضوعية والدقة وعدم التحيز .
الافصاح شرط نجاح السياسات المحاسبية
حيث ان السياسات المحاسبية هى التعبير عن أسلوب العمل الممكن تطبيقه بغرض التعبير عن الاحداث المالية فى المنشأة ،حيث تشمل السياسة المحاسبية المبادىء والاسس والمصطلحات والقواعد والاجراءات التى تتخذها ادارة المنشأة فى اعداد وعرض القوائم المالية،علية فان السياسات المحاسبية قد تختلف من منشأة لاخرى ومن وقت لآخر. تكمن أهمية الافصاح عن السياسات المحاسبية المتبعة فى اعداد القوائم المالية حتى يستطيع المستخدم لمخرجات النظام المحاسبى أن يتعرف على المركز المالى ونتائج الاعمال بصور كاملة وواضحة ،وبالتالى يتمكن مستخدم القوائم المالية من اتخاذ القرارات المناسبة بشكل سليم، لذلك نجد أن معظم التشريعات المحاسبية لا تكتفي بالمطالبة بالإفصاح عن السياسات المحاسبية المطبقة بل تطالب أيضاً بضرورة الإفصاح عن أي تغير يحدث في هذه السياسة وأثره على القوائم المالية للمنشأة .
التغيير في السياسات المحاسبية
من الطبيعي أن الثبات في السياسة المحاسبية ليس مطلقاً بسبب تغير الظروف المحيطة بالمنشأة إلا أنه يجب على المحاسب أن يتأكد من أن التغير في السياسة المحاسبية يجب أن يوفر معلومات أكثر دقة وأكثر نفعاً في مجال التنبؤ واتخاذ القرارات او اذا اقتضى ذلك معيار جديد.
العلاقة بين النظرية و السياسة في مجال المحاسبة
من الضروري التمييز بين السياسات المحاسبية الواجبة التطبيق و بين النظرية المحاسبية ، حيث ان السياسة المحاسبية ترتبط و تطبق عادة في بيئة معينة او مجتمع معين ، اما نظرية المحاسبة فلا ترتبط عادة ببيئة معينة حيث انها تعبر عن الاطار الفلسفي لعلم المحاسبة ، و فلسفة العلم لا تخضع لوطن معين اما الوسائل التطبيقة قد تخضع لمحددات و عوامل يجب ان تؤخذ في الاعتبار،الا ان السياسة المحاسبية لا تبنى بمعزل عن نظريات المحاسبة بل تعتبر النظرية هي الاطار المرجعي لبناء السياسة المحاسبية ، لذلك تتباين السياسات المحاسبية و فقا للمجتمعات المطبقة فيها .
تحديد معالم السياسات المحاسبية
إن تحديد السياسة المحاسبية يجب أن تخضع لضوابط عدة أهمها توافر خاصية الثبات بين الفترات المختلفة تحقيقاً لفائدة المعلومات المحاسبية، والاعتماد عليها في المقارنات الزمانية، وازدياد القدرة على التنبؤ. إن القاعدة العامة في تحديد معالم السياسة المحاسبية هي أن تأتي أدوات التطبق العملي ملائمة بقدر الإمكان لظروف الحال وطبيعة نشاط المنشأة، ولتطبيق هذه القاعدة ينبغي على إدارة المنشأة الاسترشاد بالإعتبارات التالية: –
الحيطة والحذر “الحرص” CONVERSATION OR PRUDENCE
تغليب الجوهر على الشكل SUBSTANCE RATHER THAN FORM
الأهمية النسبية MATERIALITY
وتعد الاعتبارات المذكورة نوعا من القيود التي تحكم عملية وضع السياسة المحاسبية، بالنسبة للقيد الأول فهو يمثل الاتجاه التقليدي للمحاسبة عند المفاضلة بين الطرق المحاسبية البديلة، وكمثال على ذلك ما ذهب إليه المعيار رقم (2) الصادر عن لجنة المعايير المحاسبية البريطانية الذي ينص على أنه وفي وجود تعارض بين أساس الاستحقاق وبين خاصية التحفظ عند تطبيق مبدأ مقابلة الإيرادات بالمصروفات تغليب التحفظ على أساس الاستحقاق .
أما بالنسبة للقيد الثاني فإنه يجب اختيار القواعد المحاسبية التي تتفق مع الجوهر وليس مجرد الشكل القانوني أو التنظيمي، فمثلاً إذا كانت عملية انضمام شركتين تمثل في واقع الأمر سيطرة إحداهما على الأخرى، فإن هذه العملية تعتبر عملية شراء وليس توحيداً للمصالح بصرف النظر عن الطبيعة القانونية أو التنظيمية التي تمت بها عملية الانضمام، ومثال آخر في العقود الايجارية طويلة الأجل فإذا كان عقد الإيجار يغطي أكثر من (90%) من العمر الإنتاجي للأصل فإن هذا التعاقد يمثل في جوهره شراء تأجيلي ويتعين إظهار أثر ذلك على عناصر الأصول والخصوم، وفيما يتعلق بقيد الأهمية النسبية فهي تعتبر الأهم في تحديد معالم السياسة المحاسبية ، ولعل أكبر دليل على ذلك هو أن معظم المعايير المحاسبية تأتي مذيلة بعبارة هذا المعيار لا يلزم تطبيقه في حالة العناصر التي ليست لها أهمية نسبية فمثلاً: نجد أن كثيراً من المصروفات الرأسمالية يمكن معالجتها كمصروف إيرادي، نظراً لأن قيمتها لا تبرر عملية التوزيع والتخصيص على الفترات المتبقية ،فهذا المبدأ يعتبر تطبيقاً لمبدأ اقتصاديات المعلومات .
العوامل المؤثرة في بناء السياسات المحاسبية:-
هناك عدة عوامل أو معايير محددة يجب أخذها في الاعتبار عند بناء سياسة محاسبية لمنشاة ما وهذه المعايير تختلف باختلاف المجتمع المحيط بالمنشاة
أولا:- معيار القدرة على التنبؤ لاتخاذ القرارات .
عند تطبيق سياسة محاسبية لمنشاة ما لابد من معيار التنبؤ الذي يتم على أساس المفاضلة بين البدائل المحاسبية ، حيث انه يمثل القدرة على التنبؤ بالأحداث المستقبلية مما يؤدى إلى توفير معلومات مفيدة لمتخذي القرارات بشان مصالحهم في المنشاة ، فالبديل المحاسبي الذي قد يصلح لغرض ما قد لا يصلح في أخر حسب الظروف المحيطة بالمنشاة .
ثانيا:- الأهداف القومية .
من الواضح أن السياسات المحاسبية تتأثر بالظروف والعوامل السياسية فمثلا: تتأثر السياسات المحاسبية بالمناورات السياسية حيث يكون لها أغراض خاصة لبعض القوى السياسية مما يؤثر في السياسة المحاسبية المطبقة.
ثالثا:- العوامل الاقتصادية و طرق التمويل:-
تتأثر السياسات المحاسبية المطبقة بتأثر النظام الاقتصادي المتبع بالقوى السياسية حيث ان النتائج الاقتصادية قد تؤثر في سلوك اصحاب المصالح في المنشاة بطريقة تؤدي الى تأثر مصالح مجموعات اخرى.
رابعا :- العوامل الاجتماعية و الثقافية.
تختلف السياسات المحاسبية باختلاف المجتمع وعند بنائها لابد من الأخذ في الاعتبار طبيعة وظروف المجتمع .
ولدينا سؤال . ماذا يعنى حياد وما أهمية حياد السياسة المحاسبية ؟؟
أولا يعنى حياد هو عدم تغليب مصالح معينة من أصحاب المنشاة على مصالح أصحاب فئات أخرى .
ثانيا أهمية حياد السياسة المحاسبية تحقيق دقة البيانات والنتائج إلا انه يصعب تحقيق الحياد المطلق في السياسات المحاسبية نظرا لتأثر السياسات بأصحاب المصالح بالمنشاة حيث انه قد يكون اتخاذ القرار بالنسب لأصحاب الصالح الأكثر تأثر بالبيانات الواردة بالقوائم المالية وفى هذه الحالة يعتمد على المواءمة بين حجم المصالح ومدى تأثرها.
توحيد السياسات المحاسبية
أن الغرض من تنظيم السياسة المحاسبية هو تحقيق حد أدني من التوحيد في مجال التطبيق العملي بهدف زيادة إمكانية الاعتماد على الأرقام المحاسبية في عقد المقارنات الزمانيه والمكانية وزيادة فاعلية تلك التقارير في تقييم اتخاذ القرارات ويجب أن يكون معلوماً أن هناك فرقا بين التوحيد والثبات فليس المقصود بالتوحيد أن يكون هناك ثبات مطلق في المعالجات المحاسبية لنفس الأحداث والظروف دون مراعاة لأثر تلك الاختلافات ، إن عدم مراعاة اختلاف الظروف والأوضاع يجعل الأرقام المحاسبية غير قابلة للمقارنة مما يفقدها أحد الخصائص الأساسية الهامة في مجال اتخاذ القرارات وعليه فإن المفهوم العلمي للتوحيد في مجال المحاسبة قد يتطلب منا معالجات محاسبية مختلفة لنفس الحدث أو العملية تبعاً لاختلاف الظروف والأوضاع المحيطة .