تنمية بشرية

صناعة الأمل

بسم الله الرحمان الرحيم

صناعة الأمل

 

كلما اشتدت الأزمات من حولنا واستشرى اليأس في النفوس وغاب الأمل عن الناس وانقطع الرجاء من كل سبب، ينبري للأمل فرسان يحملون شعلته ويرفعون رايته ويدورون في الحنايا والبيوت يزرعون حبات الأمل تحت الثرى لتنبت أشجاراً من عمل، يوزعون طاقات من نور لفجر مرتقب؛ فيكونوا كمن يقصف المدن الكئيبة بالأمل فتضيء من جديد بعد ظلمة حلت وتنتعش بزخات الفرج بعد ضيقة خنقت وتعود لبهجتها الأثيرة بعد غيبة طالت، يتلفحون بالأمل دون اليأس وينشرون البشرى دون الإحباط لهؤلاء الفرسان هذا المقال التأسيسي دون غيرهم.
نسرد في هذا مسرد أولي تبياني لما بين الأمل واليأس من فوارق وثلاث مسارد تأسيسية للأمل تجعله يخالف اليأس ابتداءً وينافي طول الأمل انتهاءً.
* مسرد التبيان:
الباحث في أصل معنى الأمل سيجد أنه يحمل لغويا شقه السلبي، والذي يطلق على ما يكاد يكون مستحيل حدوثه وهو ما أُشير إليه في القرآن في قوله تعالى: {ويلههم الأمل} أو ما يقال عليه طول الأمل، وأن الأوقع في الاستخدام كلمة الرجاء لكن اتسع استخدام الأمل للإشارة إلى التفاؤل بالخير في الظاهر، وفي الباطن يحمل شقيه المستحيل حدوثه والمتوقع حدوثه كذلك.
لذا كان اهتمامنا بالتوضيح ليحدث التفريق بين ما ندعو إليه من أمل نسميه “الأمل المنهجي” أو بالمصطلح الأصولي “الرجاء” ليشير بوضوح إلى شق الأمل الإيجابي، وما نرفضه من تعويل على ما لا يحدث تحت اسم “طول أمل” كشق سلبي.
أما اليأس فهو على النقيض من ذلك بشقيه فهو يشير إلى القنوط من حدوث ما يمكن حدوثه وما لا يمكن حدوثه أو الإيمان بعدم الحدوث على الحالين أو كما يقول د. محمد راتب النابلسي عنه: “هو انطفاء جذوة الأمل في الصدر، وانقطاع خيط الرجاء في القلب، هو العقبة الكؤود، والمعوق القاهر الذي يحطم في النفس بواعث العمل، ويضعف في الجسد دواعي القوة”.
*مسارد تأسيسية:
• المسرد الأول: يرتبط بالقدرة والرغبة:
أشرنا في مقال سابق إلى تفصيل اليأس وفعله في النفوس حيث تتلخص في ثلاثة نقاط:
1- فقد قدرة فعل الإنسان على الإنجاز.
2- فقد الرغبة في الفعل.
3- فقد قدرة الإنسان على الفعل.
وعليه فإن الأمل المنهجي الذي ندعو إليه على النقيض من تلك الثلاثية فهو يقر بـ:
1- التعويل على رغبة الإنسان في الفعل.
2- الإيمان بقدرة الإنسان على الفعل.
3- الإيمان بقدرة الفعل على الإنجاز بقدر تحريه عنصر الفعالية.
• المسرد الثاني: ويرتبط بالغاية وتجاوزها:
لكل عمل غاية من ورائه يقر الإنسان بأنها هي الدافع الأساسي لهذا العمل ولسعيه في تنفيذه، تلك الغاية كلما علت وارتقت كلما كانت أقدر علي دفع الإنسان نحو العمل والحفاظ على استمراره فيه وكلما كانت متجاوزة لحاجته المادية إلى حاجته الروحية ومن مصلحته الشخصية إلى المصلحة العامة ومن مكافأتها الدنيوية إلى ثوابها الأخروي، ومن ارتباطها الكلي بالأرض إلى السماء، ومن ارتباطه الكامل بالأسباب إلى التعلق المطلق بخالق الأسباب، وبمقدار هذا التجاوز يكون الأمل؛ لأن صاحب العمل ارتبط بما هو أكبر من إمكاناته الشخصية، ارتبط بالقوة العليا التي تدبر الكون وتدير الأمور وتجري المقادير.
• المسرد الثالث: ويرتبط بالبصيرة والعمل المتبع:
كل أمل لا يتبعه عمل لا يعول عليه.. مقولة تأسيسية في هذا المسرد، فإن الأمل غير المتبوع بعمل لتحقيقه ليس إلا تواكلاً سلبياً يجعله يستحق لقب طول الأمل وهو الشق المذموم كما أسلفنا، وكل عمل متبع لابد أن يكلل ببصيرة ترى دوره في المستقبل وتدرس أثر إنجازه حال تحققه.
* خلاصة القول:
إن اليأس والكفر متلازمان والأمل والإيمان متلازمان، فالأمل عبادة لله، نأمل في رحمته فنستغفره، ونأمل في كرمه فندعوه، ونأمل في معيته فنذكره، ونأمل في جنته فنترك معاصيه، ونأمل في حبه فنتقرب إليه بالفرائض والنوافل، ونأمل في ظل عرشه فنحب إخوانا لنا فيه. وكل عبادة يصحبها أمل في أن يتقبلها الله، ولا أمل إطلاقا لمن لا عمل له.
إن الأمل في ديننا فرض يا سادة لكن على أن يكون بحقه المرتبط بالمسارد التي أسلفنا ذكرها، فارفعوا راية الإيمان تعلو بها رايات الأمل ويندثر اليأس تحت أقدامكم هيبة ومخافة، لتستمر رسالتكم الجليلة وتتوج بتباريح الفجر وأهازيج الانتصار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى