تنمية بشرية

إساءة التقدير (خطأ التقدير) Estimation error

تُعَدّ إساءة التقدير عملية عقلية مُعقدة، تتم عندما يكون هناك خطأ في التقدير، يترتب عليه خلل في السلوك والتصرف، أي السلوك اللا سوي. مما قد يوْدي بحياة الشخص، أو حياة الآخرين، كالذي يُغامر بالقفز بين سطحَي منزلين

مرتفعين، تفصلهما مسافة، ويُقدر هذه المسافة بعملية عقلية معقدة، ثم يأخذ قرار القفز، ويُنفذه طبقاً لتقديره. فإذا كان تقديره خاطئاً، فإنه سوف يسقط، ويلقى حتفه. وقد يُخطئ الشخص تقديره لواقع آخرين، في موقف خطر، فيلقوا حتفهم، ويكون السبب في ذلك، هو الخطأ في التقدير، أو إساءة التقدير.

والعملية العقلية المعقدة، التي يترتب عليها تقدير الأمور، تقوم على فهْم الواقع من خلال مداخل الإدراك الحسية لدى الشخص، وعندئذ يتم تحليل هذا الواقع بوساطة خبرة الشخص السابقة، التي اكتسبها من تجاربه في مختلف مواقف الحياة. وهكذا يكون الشخص قد قام بتقدير الأمور، ولم يبقَ إلا أن يُعمِل عقله، لاتخاذ القرار المناسب للموقف، وطبقاً لتقديره للأمور.
وفهْم الواقع بصورة طبيعية، يتطلب درجة مناسبة من اليقظة ، فلا يمكن لشخص مرهق، لم يأخذ قسطاً كافياً من النوم، أو مخموراً بتأثير تعاطي كحوليات أو مواد مخدرة، أو مختل الوعي، لأي سبب من الأسباب ـ أن يُقدر الأمور، أو يفهم الواقع بصورة صائبة. كما يتطلب كذلك، قدرة على التركيز. إذ لا يستطيع شارد الذهن، ومشتت الانتباه، ومَن تستغرقه أحلام اليقظة، أن يفهم الواقع فهماً سليماً، بل قد تغلبه أحلام اليقظة ، التي يعيشها، فيخلط بينها وبين الواقع، ويخطئ الفهْم والتقدير. وكذلك ، لا يستطيع شارد الذهن تركيز الوعي تجاه الموقف، لإدراكه بصورة كاملة وواضحة. ويتطلب فهم الواقع، كذلك، سلامة المداخل الحسية، من السمع والبصر واللمس والشم والتذوق، مع سلامة مراكز المخ المتخصصة بفهْم المثيرات القادمة عبْر هذه المداخل، وسلامة الربط فيما بينها، مع الربط بالخبرة السابقة المختزنة في مناطق الذاكرة المختلفة، وصولاً إلى الفهْم المتكامل للموقف الحاضر ومقابلته برصيد الخبرة المختزنة، مع تحليل الموقف الحالي، بما يُساعد على الوصول إلى الحلول الممكنة في عملية التفكير، لتنتهي العملية المعقدة بوضع حلول منطقية، يتم المفاضلة بينها، لاختيار أنسبها. وقد تؤثر الانفعالات على أي من العمليات السابقة، فتخل بالأداء العقلي. فانفعال الغضب أو الحزن، يُلوِّن إدراك الشخص للأشياء، ويُلقي بظلاله على عمل العقل، فيؤثر في الفهْم للأمور، ويخل بتقديرها. وكذلك انفعال السرور، الزائد عن الحدّ، يكون له التأثير عينه.

والفرد لا يصل إلى حُسن التقدير، وهو بعد طفل. ولكنه يحتاج الوصول إلى سـن الرشد ، حتى يستطيع الفهْم الكامل للأشياء وتجريدها ، وحتى يستطيع إعمال عقـله، وإجراء الأفكار المجردة، التي تمكِّنه من بناء حلول منطقية قابلة للتطبيق. كما يكـون لديه رصـيد من الخبرة يمكِن أن يستفيـد منه في فهْـم الأمور. وأغلبنا لا ينسى مواقف عشناها في طفولتنا، وأدركناها بصـورة ما، ثم عاودنا معايشتها، بعد أن وصلنا إلى سن الرشـد. وكم لاحظنا أن الفارق في الفهْم قد اختلف اختلافـاً كبـيراً! ذلـك لأن الخبرات التـي نكتسـبها، تُحقق لنا النضـج، بعـد فترة من الزمـن، خاصـة إذا صاحبها نمو العقل نمـواً طبيعياً، من دون مرض يؤثر فيه. كذلك المرض العقلي الـذي يخـل بعمليات الإدراك، أو برصـيد الذاكرة من الخـبرات، أو بعملية التفكير، أو خلل الإرادة ، كل هذه عوامل تسهم في إساءة التقدير.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى