تنمية بشرية

مفهوم الشخصية المدمرة

ماهية الشخصية المدمرة

قرأنا كثير عن انواع الشخصيات وأساليبها وأصحابها

في هذا المقال سنتعرف على المفهوم للشخصية ثم الى نوع الشخصية المدمرة

ما الذي يكون الشخصية ويؤثر فيها؟

فهناك تداخل وراثي هام في تكوين الشخصية

تكون فيما بينها وحدة متشابكة من المؤثرات وهي..
1- الأسرة: حجمها، تركيبها، انسجامها، معاملة الأبوين للأبناء.
2- المدرسة: المدرس، الإدارة، النظام بمكوناته المختلفة، الأصدقاء.
3- المجتمع: ثقافته، حضارته، المستوى الاجتماعي والاقتصادي.
وأي انحراف في هذه المؤثرات سوف ينعكس على شخصية الفرد سلباً أو إيجاباً

مع اختلاف تقبل الفرد لهذا الانحراف إذ تجد بأن الكثير من الناس الأسوياء
يعانون من حياة الفقر والحاجة ويذوقون الأمرين لتأمين لقمة العيش،

ولكن لا ينعكس هذا على سلوكهم اليومي مع أسرتهم وعلاقاتهم مع الآخرين
في عملهم ومجتمعهم، وهكذا …

والآن سوف نطلق كلمة “تدمير” على كل عمل ضار يقوم به الإنسان
سواء على نفسه أو على الآخرين وسوف أتناول هذه الفئة من الناس

لماذا تفعل ذلك وما هي جوانب شخصيتها وما هي العوامل المؤثرة في هذه الشخصية؟

لماذا لا يبني مع محيطه ليستطيع البقاء؟

وعلينا أن نميز بين نوعين من العدوان مختلفين كل الاختلاف،

الأول يشترك فيه الإنسان مع كل الحيوانات وهو دافع إلى الهجوم أو إلى الفرار،

عندما تتهدد مصالحه الحيوية، وهذا الدافع مبرمج وفقاً للنشوء النوعي،
وهذا هو العدوان الدفاعي “غير الخبيث” وهو في خدمة بقاء الفرد والنوع،

ومتكيف بيولوجياً، ويزول عندما يزول التهديد عن الوجود،

والنمط الآخر “العدوان الخبيث” أي القسوة والتدميرية خاص بالنوع البشري

وغائب إجمالاً عن الحيوانات وهو ليس مبرمجاً وفقاً للنشوء البشري

ولا متكيفاً بيولوجياً، وليس له مآرب وإشباعه شهواني،

ومهما يكن فالإنسان يختلف عن الحيوان بأنه قاتل والإنسان هو الوحيد

من فصيلة الرئيسات الذي يقتل ويعذب أعضاء نوعه دون أي سبب،
سواء أكان بيولوجياً أم اقتصادياً والذي يشعر بالرضا في فعله ذلك ،
وإن هذا العدوان “الخبيث” غير المتكيف بيولوجياً هو الذي يشكل المشكلة الحقيقية

والخطر الحقيقي على وجود الإنسان بوصفه نوعاً،

ويفتح الأساس النظري لأمكانية البحث في الأشكال المختلفة للعدوان الخبيث الراسخ

في الطبع، ولاسيما “السادية” وهي عاطفة السيطرة غير المحدودة على كائن آخر

قادر على الإحساس و”النكروفيليا” عاطفة تدمير الحياة والانجذاب إلى كل ما هو ميت ومضمحل،
وميكانيكي صرف، وهذا سوف يذكرنا بشخصيات تاريخية “ذات طبع سادي مدمر”

ففي الماضي القريب: كستالين، هملر، هتلر..

والحقيقة هي أن كل العواطف البشرية “الخيرة” والشريرة” على السواء

لا يمكن أن تفهم إلا أنها محاولة شخص لجعل معنى لحياته وتجاوزه المبتذل، م
جرد الوجود المحافظ على الحياة، ولا يكون تغير الشخصية ممكناً إلا إذا
كان في مقدور المرء أن “يهدي نفسه” إلى طريقة جديدة في جعل معنى للحياة

بتحريك عواطفه الرافدة للحياة، ولكن شتان بين من يبني ومن يدمر،
لأن السلوك التدميري يدمر الحياة والجسم والروح للمدمر والمدمَر،
إنهما انقلاب الحياة على نفسها وضد ذاتها بيد الإنسان التدميري وهذا بحد ذاته
انحراف وفهمه لا يعني التغاضي عنه، ولكن إذا لم نفهمها لا يكون لدينا سبيل إلى
تبين كيف نقلل منهما وما هي العوامل التي تزيدهما.

ولهذا الفهم أهمية خاصة حيث تتناقص الحساسية إزاء التدميرية، القسوة بسرعة،

وتتزايد النكرو فيليا، الانجذاب إلى ما هو ميت، ومضمحل، وعديم الحياة،

وآلي صرف في كل مجتمعنا الصناعي المرتبط بعلم التحكم.

والسلوك السوي للإنسان يحب الخير لنفسه وللآخرين، لمجتمعه وللمجتمعات الإنسانية الأخرى،

يحب الكون لأنه جزء هام ورئيسي فيه، أما السلوك التدميري فهو يتلذذ بتدمير نفسه

والآخرين ومجتمعه ومجتمعات الآخرين،
يتلذذ بتعذيبهم ويفرح لأحزانهم حتى ولو كانوا غير معروفين بالنسبة له،
فكم من حروب شُنت ومات فيها الملايين، ولم يكن لهؤلاء ذنب فيها.

من هو الشخص العدواني التدميري؟

جرت دراسات كثيرة على فئات مختلفة من الأفراد وفي أماكن مختلفة من الأعمال والأسر.
ولم تستطع هذه الدراسات أن تحدد بالضبط لماذا هذا الشخص مختلف عن الآخر بسلوكه،
ولكن أعطتنا هذه الدراسات بعض السمات والمؤثرات التي كانت على الشكل التالي: –

الإحباط والشعور باليأس والفشل يؤدي إلى سلوك عصابي استفزازي

يؤدي إلى التدمير والعدوان، والعامل المهم في حدوث الإحباط هو “طبع الشخص”

فالشخص الشديد الجشع مثلاً، سوف يستجيب بالغضب عندما لا ينال ما يريد،

ويشعر النرجسي بالإحباط عندما لا ينال ما يتوقعه من الثناء والتقدير،

وكذلك “شدة استجابته للإحباط”.
– الشعور بالدونية المملوء بالعقد النفسية، وخاصة ما يتعلق بالعنصر الاقتصادي
فهو ضعيف الإنجاز إمكاناته محدودة، فهو دائم التذمر والغضب والانفعال،

يكسر كل ما حوله ويدمره. ابتداء من نفسه والآخرين.
– أو على العكس شخصية مغرورة لا يرى أحداً أفضل منه في العالم أجمع

يريد أن يمتلك العالم، أو أن يقصيه عن وجه الأرض بدون وجه حق. –

الإنسان المنطوي على ذاته، فهو يدمر ذاته “غريزة الفرار” شخصية لا تحب المواجهة بسلوكها
ولكن إذا واجهت كانت كالإعصار يقتل كل ما حوله.

وأكثر ملاحظة للسلوك التدميري بأنه ميل إلى القتل والتعذيب دون سبب
بل بوصفه غاية في حد ذاتها ،غاية لا تجري متابعتها من أجل الدفاع

عن الحياة ولكنها في ذاتها سارة ومستحبة للشخص التدميري.
إن وجود الجهاز الفيزيولوجي العصبي و الهرمونى والدماغي عند الإنسان والحيوان

يجعل حدوث العدوان الدفاعي عند الإنسان أضعاف حدوثه عند الحيوان
ويكمن السبب في هذه الظاهرة في الشروط الخاصة بالوجود الإنساني
وبصورة رئيسة في:
1- إن الحيوان لا يدرك التهديد إلا إذا كان واضحاً وحالياً، بعكس الإنسان

الذي وُهب القدرة على التخيل والتنبؤ والتحليل.
2- إن الإنسان ليس قادراً على التنبؤ بالأخطار في المستقبل فقط

فهو قادر كذلك إن قادته دماغ الشعب لرؤية أخطار لا وجود لها في الواقع

وعلى أن يتقبل ذلك مثال: كثير من الحروب قامت وقد تم الإعداد لها بدعاية منظمة،
أقنع فيها القادة السكان بأنهم معرضون لخطر قد يقضي عليهم

وهكذا أثيرت ردود الأفعال الكارهة على الأمم المتحدة “إثارة العدوان الدفاعي
بغسل الدماغ” وهذا لا يحدث إلا عند البشر.
3- يسهم شرط ثالث من شروط الوجود وهو بشري بوجه خاص في زيادة العدوانية

البشرية بالمقارنة مع العدوانية الحيوانية،
فالإنسان كالحيوان يدافع عن نفسه في وجه التهديد لمصالحه الحيوية،

ولكن مدى مصالح الإنسان الحيوية أوسع وأشمل وأكبر من مصالح الحيوان.
4- النرجسية الفردية وهي ما تتعلق بالفرد وحبه لذاته وعشقه لها

وكذلك شعوره بالتفوق والعظمة والذكاء في كل شيء وأنه مختلف عن الكل
ولذلك مجبر على أن يصبح من الشخصيات المشهورة لأنهم إذا لم يكونوا كذلك

يصبحون مكتئبين أو مجانين، ولذلك يسلكون السلوك التدميري

إذا وقف بطريقهم ما يعترض أحلامهم.

وهناك النرجسية الجماعية لمجتمع أو فئة أو بلد من البلدان، وهذا له وظيفة مهمة جداً
حيث تزيد من تضامن الجماعة وتماسكها وتجعل الاحتيال أسهل

بمناشدة الأهواء النرجسية “مثال الشعب الألماني مميز من الألمان عن غيرهم”
ولذلك ارتبطت فكرة التعصب بالصفة المميزة للنرجسية الجماعية

والتي من نتائجها الكره والحقد على بقية الشعوب.
ولعل السلوك الذي يمتاز بالعنف والتدمير عند الفرد ناتج عن الشعور بالملل والضجر
والحياة الفارغة من كل معنى، والظروف المحيطة الاقتصادية والاجتماعية

والأسرية وكما أسلفنا اليأس والإحباط والاكتئاب والحزن هما الطرق الواسعة

للتعويض والتي تتخذ شكلاً سلبياً من الانجذاب نحو الجرائم والحوادث المميتة

والمشاهد الأخرى من سفك الدماء والقسوة والعنف التي هي الغذاء الأساسي

الذي تقدمه الصحافة والإذاعة والتلفزيون إلى الجمهور.
ويستجيب الإنسان بشوق لهذه الأخبار لأنها أسرع الطرق لإحداث الإهاجة فتخفف،
بذلك الملل دون أي نشاط داخلي ولذلك نجد هؤلاء الأشخاص ليس لهم أي اهتمام

بأي شيء، وليس لديهم اتصال بأي شخص، إلا ما كان في منتهى السطحية،

ويتركهم أي شخص وأي شيء باردين، وهم جامدون عاطفياً،

ولا يشعرون بالفرح، ولكنهم لا يشعرون في كثير من الأحيان بالحزن أو الألم

“متبلدي المشاعر” فهم لا يشعرون بشيء، فالدنيا عندهم غبشاء والسماء ليست زرقاء،

وليست لديهم شهوة الحياة وكثيراً ما يكونون أمواتاً أكثر منهم أحياء،
وفي بعض الأحيان يدركون هذه الحالة بدقة وألم وفي كثير من الأحيان لا يدركونها،
وفي العادة يغلب عليهم كبت ما يشعرون به ولا يعترفون به ويريد معظمهم
أو يظهروا طبيعيين أمام كل شخص سواهم. يحبون القسوة وسفك الدماء
بالمعنى المجازي والحرفي للكلمة يتلذذون بتعذيب الآخرين وبآلامهم،
حتى تؤدي بهم إلى النشوة والسعادة ولو كانوا هم جزءاً من هذا العذاب،

وهناك أكثر من مثال على هذا القول إذ كان هناك قبائل آكلي لحوم البشر
وخاصة دماغهم لما له من طقوس سحرية إذ كانوا يأكلون اللحم ويحتسون الدم
لأسباب طقسية “قبائل بدائية”.

وأشكال العنف التدميري ليست واحدة إنما هناك أشكال تدميرية عفوية مرتبطة ببنية الطبع،
وأشير بالعفوي إلى تفجر الدوافع التدميرية التي تنشطها ظروف غير عادية

وهي ما ظهرت في مدونات التاريخ المتمدن، وتاريخ الحرب هو تقرير
عن القسوة والتعذيب دون تمييز واللذين كانت ضحاياهما الرجال والنساء.
أما التدميرية المنتقمة: فهي رد الفعل العفوي على الألم الشديد وغير المبرر
النازل على الشخص أو على أعضاء جماعته التي يتماثل معها وهي واسعة الانتشار
على الصعيد الفردي والجماعي “الثأر” فهو سلسلة لا نهاية لها من القتل العقابي.

أما التدميرية الوجْدية: فإن الإنسان في معاناته من عجزه وانفصاله يمكن أن يتغلب

على عبئه الوجودي بحالة وجْد تشبه الغيبوبة “في أن يكون المرء إلى جانب ذاته”
فيحرز بذلك الوحدة من جديد في داخل نفسه ومع الطبيعة، “ا
لفعل الجنسي يشمل حالة الوجد الأنية مع الشريك، والعبادات تناول المخدرات،
العربدات الجنسية، حالات الغيبوبة المستحثة ذاتياً، الرقص الوجْدي.
وهناك أمثلة من التاريخ تبرز شخصيات اتصفت بالسادية “ستالين”

فقد كان لا يستطيع أحد توقع سلوكه، فهناك أحوال فيها أناس أمر بتوقيفهم،

ولكنهم بعد التعذيب والأحكام القاسية أطلق سراحهم وعينوا في مناصب رفيعة،

من دون تفسير أو سبب، وهذا يرينا بأن سلوك ستالين أو طبعه هو في أن يظهر للناس
أنه يمتلك السلطة المطلقة والسيطرة عليهم، له الحرية في معاملتهم كيفما يشاء “يقتلهم،
يعذبهم، ينقذهم، يكافئهم”،
وهذا وضع المرأة عندنا “في المجتمع الذكوري طبعاً”.
وكذلك كان هتلر وقائد جيشه هملر، وغيرهم كثر.. فقد اتصفوا بالسادية والتناقض
الواضح بين الواقع والصورة فهم ساديون لا يرحمون وجبناء

يعتمدون صورة الرجل اللطيف والموالي والشجاع،

فقد كان هتلر مخلص ألمانيا الذي أحبها بشكل كبير المدمر القاسي لا لأعدائه وحسب

بل لألمانيا نفسها أيضاً، أما ستالين الأب اللطيف لبلده كاد يدمر بلده وأفسده أخلاقياً.

وأخيراً نقول بأن الشخصية التدميرية والقسوة في السلوك والعواطف

والأحاسيس لم تزدد وتتطور وتتسع إلا مع ازدياد الإنتاج وتطور التقنيات والتكنولوجيا

ووسائل الاتصال وتقسيم الجهد وتشكل الفائض الكبير وبناء المدن ذات التراتبيات
والنخب وعندها نمت الحضارة المزيفة ونما دور السلطة،

ولذلك نجد بأن العدوان والتدميرية أخذا دورهما في نسيج البواعث البشرية؟!

إذاً ما هو الحل للتقليل من هذا السلوك؟
الإيمان .. قوة العقيدة وتطبيق شريعة الأسلام هو أفضل ما لدينا لأنه يتضمن عنصراً

مهماً للغاية: رغبتي الحماسية الشديدة في أن يعيش طفلي و يكون عملي في أمان وخير
ومحبة، والذي هو مزيج من المعرفة والمشاركة “الإيمان العقلي”
القائم على الإدراك الواضح لكل المعطيات ذات المساس بالموضوع وليس وهماً

مبنياً على رغباتنا، ولأن أساس الإيمان العقلي هو وجود الإمكان الحقيقي لخلاصه

“المعرفة الشاملة الوثيقة الصلة ببقاء الإنسان”، وبقدرته على تخليص نفسه

من نسيج الظروف المهلك الذي خلقه، إنه موقف الذين هم غير متفائلين

وغير متشائمين بل هم جذريون لديهم إيمان عقلي بقدرة الإنسان على تجنب الكارثة

في نهاية الأمر، وهذه الجذرية القائمة على المذهب العقائدى الإنساني

تغوص في الجذور، وكذلك في الأسباب وتنشد تحرير الإنسان من قيود الأوهام

وتفترض أن التغييرات الأساسية ضرورية،
لا في بنيتنا الاقتصادية والسياسية وحسب بل كذلك في قيمنا وفي مفهومنا

لأهداف الإنسان، وفي سلوكنا الشخصي.

وامتلاك الإيمان يعني الجرأة على التفكير فيما لا يعصى ربه،

والعمل مع ذلك ضمن حدود الممكن واقعياً، إنه الأمل القائم على المفارقة
في توقع المخلص كل يوم، وعدم وهن العزيمة مع ذلك

حين لا يجيء في الساعة المحددة، وليس هذا الأمل سلبياً بل على العكس
هو البحث اللجوج والدؤوب عن كل إمكانية للعمل ضد مجال الممكنات الحقيقية.
إن وضع الجنس البشري اليوم أشد خطورة من أن نسمح لأنفسنا
بالاستماع إلى الديماغوجيين المنجذبين إلى التدمير-
أو حتى إلى الزعماء الذين لا يستخدمون إلاّ عقولهم والذين قسّوا قلوبهم،

ولن يحمل الفكر النقدي والجذري الثمار

إلا إذا امتزج بأكرم صفة حُبي بها الإنسان، محبة الحياة.

من رائع ماقرأت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى