اعداد محاسب

موقف الشريعة الإسلامية من مشاركة المسلم للكافر في المشروعات الاستثمارية

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن المساواة في الدين ليست شرطاً لانعقاد الشركة, فيجوز للمسلم أن يشارك غير المسلم، مـع اختلاف

الدين بينهما. وهذا قول الحنفية والحنابلة والظاهرية . ما عدا شركة المفاوضة – بين المسلم وغير المسلم – عند الأحناف حيث اختلفوا في اشتراط التساوي في الدين فيها، فمنعها أبو حنيفة ومحمد بن الحسن رحمهما الله لعدم التساوي في الدين, وأجازها أبو يوسف مع الكراهة .

وقد نص الشافعية على كراهة مشاركة الكافر مطلقاً، خوف الربا، وبحجة أن ماله ليس بطيب أيضاً .

والدليل على جواز مشاركة الكافر, أو بمعنى آخر، على جواز الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الدول الإسلامية, معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم ليهود خيبر، عندما دفع إليهم الأرض ليقوموا باستثمارها، مستخدمين في ذلك كل إمكاناتهم المادية، والفنية، والبشرية، وذلك مقابل شطر ما يخرج منها. فقد روى البخاري، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال “أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر اليهود أن يعملوها ويزرعوها، ولهم شطر ما يخرج منها” .
فدل الحديث على “جواز مشاركة المسلم للكافر في المزارعة من غير كراهة، لأنها لو كانت مكروهة لما شاركهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ” . الأمر الذي يعد دليلاً على جواز الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الدول الإسلامية، إذ انه إذا جازت مشاركة الكافر في المزارعة جازت في غيرها .

فالشريعة الإسلامية مبنية كما هو معلوم على جلب المصالح ودرء المفاسد, ومصلحة الدول الإسلامية في الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وما يصاحبها من رؤوس أموال أجنبية، وخبرات فنية، ومهارات إدارية، وتنظيمية، ظاهرة للعيان, لاسيما إذا ما عرفنا المشاكل التي تجابهها هذه الدول منذ عقود، في سبيل تمويل التنمية، خاصة بعد تفاقم المديونية الخارجية لهذه الدول في السنين الأخيرة، وضعف قدرتها على الاستدانة الجديدة، وحين كان الداعي للكراهة في مشاركة الكافر في المعاملات المالية هو خوف الربا، واستحـلال البيوع الحرام، فيمكن الاحتراز عن هذا الاحتمال باشتراط التعامل في الاستثمار الأجنبي وفق أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية, وبهذا يزول الداعي إلى القول بالكراهة، سواء كان التصرف بيد المسلم أو بيد الكافر .

أما القول بأن أموالهم غير طيبة فليس بمانع، بدليل قوله تعالى في سورة المائدة: “وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم” . وهذا نص في حل طعامهم، مع أنه

قد يدخل عليهم بطرق محرمة، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ابتاع طعاماً من يهودي ورهنه درعه، فمات عليه الصلاة والسلام وهي رهن عنده, وقد أضافه يهودي بطعام، ولا يأكل صلى الله عليه وسلم ما ليس بطيب . كما احتج الجمهور بمشروعية أخذ الجزية من أموال الكفار على الرغم مما فيها من حرام .

وهكذا نصل إلى نتيجة مفادها أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الدول الإسلامية جائزة في الشريعة الإسلامية، لا سيما إذا كان التصرف بيد المسلم، وطالما كان في هذا الاستثمار مصلحة تعود على بلاد الإسلام، ويسير وفق ما رسمته الشريعة من مبادئ وأحكام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى