تنمية بشرية

كيف أوجه الطاقات العاطفية لأبنائي المراهقين؟

ترجع كلمة “المراهقة” إلى الفعل العربي “رَاهَقَ” الذي يعني الاقتراب من الشيء، والمعنى هنا يشير إلى الاقتراب من النضج والرشد, وهي تعني “معاناة”؛ فهي إذًا التطور الذي لا يخلو من بعض المعاناة والمتاعب التي تصاحبه حتى تستقر في المرحلة.

أما المراهقة في علم النفس فتعني: “الاقتراب من النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي”، ولكنه ليس النضج نفسه؛ لأن الفرد في هذه المرحلة يبدأ بالنضج العقلي والجسمي والنفسي والاجتماعي، ولكنه لا يصل إلى اكتمال النضج إلا بعد سنوات عديدة قد تصل إلى 10 سنوات.

 

لذلك تعد المراهقة من أخطر المراحل التي يمر بها الإنسان ضمن أطواره المختلفة التي تتسم بالتجدد المستمر، والترقي في معارج الصعود نحو الكمال الإنساني الرشيد، ومكمن الخطر في هذه المرحلة التي تنتقل بالإنسان من الطفولة إلى الرشد، هي التغيرات في مظاهر النمو المختلفة (الجسمية والفسيولوجية والعقلية والاجتماعية والانفعالية والدينية والخلقية)، ولما يتعرض الإنسان فيها إلى صراعات متعددة، وصراعات أدبية بين جيلهم وجيل الكبار، ليس لهم دخل فيها، ولكنهم شاءوا أم أبوا جزء منها!! ثم يشعرون بنوع من الصراع الداخلي بين أجسادهم بغرائزهم ورغباتهم، وبين بذرة الإيمان المغروسة فيهم، ونزعة الخضوع لله وتعاليم دينهم.. وبين عواطفهم المتقلبة الحائرة؛ لذلك لِما تحمله تلك المرحلة من خطورة توجهنا بالسؤال للمختصين فكان هذا التحقيق..

 

 

الشعور بالانتماء

 

يؤكد وحيد مهدي (الكاتب والباحث في التطوير الشخصي والإداري) على أنّ “عواطف الشباب في هذه الفترة تظهر في عدة صور, ولا تتوقف عند تطلع الشباب والشابات إلى التقرب من الجنس الآخر..! فمن مظاهرها الأكثر انتشارًا إعجاب المراهقين بالنجوم المشهورين من المغنين, أو لاعبي الكرة, والاهتمام بمتابعة أخبارهم, ووضع صورهم على الحوائط, وربما وصل الأمر إلى تقليدهم في طريقة تصفيف الشعر, وارتداء الملابس, فعواطفهم هنا تدفعهم بقوة للانتماء لشخص ما، سواء أكان صديقًا أو صديقة, أو لاعبًا أو مغنيًا, ويصل الأمر في كثير من الأحيان إلى بلورة هذه العواطف في شكل التعصب.

 

ويوجه وحيد النصيحة الأهم في الاستفادة من طاقات المراهقين الفياضة إلى تهذيب وتقوية الشعور بالانتماء لديهم، فشهوة الانتماء يضعها العديد من علماء النفس في المرتبة الثانية في منظومة الحاجات الإنسانية.

ويشير مهدي إلى أنه يمكن الاستفادة من طاقة المراهق “بتوجيه أنظاره إلى اتجاه أكثر فائدة لنفسه, ونقله من مقعد المتفرجين إلى أرض الملعب, بتعليمه الانتماء لدينه, بمعرفة تفاصيل العقيدة, وإقامة العبادات بانتظام وفهم، ومعرفة تاريخ وطنه وتراث مدينته وأبرز الشخصيات التي خرجت منها، وما يدفعه للتركيز على حب رياضة معينة وليس مجرد حب لاعب يمارس هذه الرياضة, وبالتالي يبدأ في ممارسته لهذه الرياضة.. إذا طبق هذه النصائح فقد فتحت له بوابات جديدة لخروج الطاقات الحبيسة بداخله, وإذا أفرغ هذه الطاقات بهذه الصورة لم يضر نفسه, بل قد يستفيد الكثير, ويبدأ مبكرًا في مشوار صناعته للمستقبل, بدلاً من أن تسحبه عواطفه المتأججة إلى البحث عن علاقة مع الجنس الآخر, لا تحمد عواقبها”.

 

 

العودة لتعليم الدين الإسلامي

 

وتشير ماجدة شحاتة (الاستشاري الاجتماعي) إلى أنّ ما جاء في الأثر “لاعبوهم سبعًا وأدبوهم سبعًا وصاحبوهم سبعًا ثم اتركوا لهم الحبل على الغارب” لم يأتِ خبط عشواء، بل جاء معبرًا عن تراكم خبرة وتجارب واقعية, يثبت صحته واقع الغرب الذي يقوم على العناية والرعاية حتى سن الخامسة عشرة, ليكون الشخص مؤهلاً فيما بعد لتحمل ومواجهة الحياة, وفقًا لقراراته واختياراته, فإذا قلنا إن الأثر امتد بفترة الرعاية إلى سبع أخرى فإن علم التربية لدى المسلمين أحفظ لأخطر مرحلة من مراحل الحياة وهي التي تنفعل فيها دواخل النفس وغرائز الإنسان ويتحول من مرحلة إلى مرحلة لابد من توصيله إليها في أمان واستقرار نفسي ونضج عاطفي يجعله في مأمن من الوقوع في المحاذير.

 

ومن أجل أن يتحقق ما في الأثر ترى ماجدة أنه “لابد من الصحبة بين الآباء والأمهات والأبناء, ولابد من حوارات راقية تحترم النوازع والدوافع والطبائع وتقدرها, لابد أن نصل في علاقتنا بالأبناء إلى نوع من الصداقة التي لاتتحرج من مكاشفة وصراحة من الأبناء للآباء, تأتي من اطمئنان الأبناء لردود أفعال الآباء, وثقة الأبناء بالآباء واعتبار الوالدين رافدًا مهمًا للاستقصاء المعلوماتي والتعرف على النفس والحياة”.

وتقول شحاتة: “من واقع عملي وجدت أن هذه الصحبة رفعت الكثير من الحواجز, وجعلت الأبناء صفحة بيضاء أمام الوالدين ليوجهاها التوجيه الصحيح ويقوّما أي اعوجاج في غير انفعال, بل في ضمان عدم انفلات المشكلات عن السيطرة, مهم جدًا أن نتعرف -نحن الوالدين- على طبائع أبنائنا ونراعي كل خصوصياته, ونضع الطاقات في محلها الصحيح, ونستثمر كل جهود الأبناء فيما يكرس القيم النبيلة والمثل الجميلة”.

وتؤكد ماجدة على أنه لابد من التأكيد على أهمية أن يشعر الأبناء بالدفء العاطفي بين الأبوين, فهذا يعكس استقرارًا نفسيًّا تكون له آثاره, ولابد أن يعرف الأبناء في فترة المراهقة كيف أن الحب بين الرجل والمرأة لابد أن يكون في إطار زوجي, وأن ما نلاحظه من وفاق بين الأبوين إنما جاء بفضل حب وهبه الله أبويهما برغم أنهما لم يعيشا خارج إطار الزوجية قصة حب كما تُوهم وسائل التخريب الإعلامي. إن إقرار أي قيمة يبدأ من سلوك واقعي معيش بين الأبوين يُرى أثره الإيجابي على الأبناء من غير جهد يبذله الأبوان إلا أن يعيشا القيم خلقًا واقعيًّا لا تصورات ذهنية لا مردود لها في الواقع.

 

 

أعظم العاطفة هي محبه الله

 

ويقول رشاد لاشين (الاستشاري التربوي): إن مرحلة المراهقة تتسم بعدد من الصفات, منها: “شدة العواطف والانفعالات, وأنّ العواطف تحتاج إلى الإشباع وإلى التنفيس والإظهار وعدم الكبت، ومن هنا كان توجيه الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم : “إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره وليقل: إني أحبك في الله وإني أودك في الله عز وجل”, وتحتاج العواطف أيضًا إلى الضبط وعدم الانفلات، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به”.

 

ويشير رشاد إلى أنه “يمكن تقسيم عواطف الشباب إلى عواطف حبّ وعواطف كُره، وعواطف الحب يمكن توجيهها إلى الحب الراقي العظيم الذي لا تصلح نفس إنسان إلا به ألا وهو حب الله تعالى.. ثم أنواع أخرى من الحب مثل حب الوالدين وحب الذات وحب الإخوة والحب في الله تعالى للمسلمين الصالحين والحب للجنس الآخر (الغريزة). أما عواطف الكراهية فيجب تصريفها إلى أعداء الله تعالى وأعداء الدين وأعداء الإنسانية وكُره العصاة والظالمين وكُره اليهود المجرمين الذين يحتلون أرضنا ويدنسون مقدساتنا”.

 

 

حب الذات

 

ويقول لاشين: “إشباع عاطفة حب الذات لدى الفتى أو الفتاة يعني احترام الطاقة والتي تتمثل في تقدير الذات وتعزيز الشخصية والثناء الحسن على الإنجازات”, ونصح أن يكون ذلك “بتقديم الاحترام وتعزيز الشخصية والثناء الحسن الجميل عليه شكلاً وموضوعًا وذكر السمات والصفات الحسنة فيه، وأن نحبه ونقدره ونحترمه ونعجب به وبإنجازاته, والثناء على جمالهم, خاصة البنات, وتوفير الصحبة الطيبة وجماعة الرفاق الصالحة, وبر الوالدين، وصلة الأرحام, ودعم المشاركة في العمل التطوعي لخدمة البيئة والمجتمع والوطن والأمة الإسلامية, وأن نحب كل الأراضي والمقدسات الإسلامية ونعمل على تحرير الأسير منها وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك, والاهتمام بدراسة سيرة الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم وتاريخ أمتنا العظيمة وإنجازاتها الرائعة عبر التاريخ”.

 

ويحذر من أن يربط الشاب ذاته بصورة الفنان أو الفنانة في الأفلام والمسرحيات والمسلسلات, أو يعتقد بأن الشاب أو الفتاة الممتازة هي التي تمتلك المال الكثير والعلاقات الغرامية؛ حتى لا تكون النتيجة تدني النظرة إلى الذات والانهزام الداخلي أو محاولة التقليد والسير في الركاب, فالإعلام الفاسد كثيرًا ما يزيّف الأمور ويغير الصورة ويسول للشباب الانزلاق في علاقات مع الجنس الآخر باسم الحب وخارج إطار الزواج الشرعي، وكثيرًا ما ينطلي هذا الإغواء على الشباب المسكين الذي لا يملك التربية الصحيحة ولا الرؤية الصحيحة”.

 

 

الحماية من الانزلاق

 

وذكر رشاد أنه لحماية الشباب من الانزلاق في العواطف الفاسدة يجب “مقاومة الفراغ وتفريغ الطاقات في النافع المفيد, فالنّفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل, ومساعدة الشباب في رحلتهم من الاستعفاف والمقاومة إلى الإنجاز والتمكين بأن يكون هناك مقاومة للفتن والإغراءات في رحلة الصمود قبل الزواج عن طريق تفريغ العواطف الأخرى والصيام والتربية على العفة وغض البصر, وممارسة الهوايات والأنشطة مثل الرياضة والرسم والقراءة والإبداع والتفوق العلمي, وتجنب الإعلام الفاسد, وتجنب أصدقاء السوء”.

 

وأكّد على وجوب توضيح المفاهيم الخاصة بالعاطفة نحو الجنس الآخر, فمن الطبيعي أن تكون العاطفة قوية والميل شديدًا للجنس الآخر وتوضيح أن الجنس ليس شيئًا ممنوعًا ولا محرمًا ولا مستقذرًا, بل شيء طبيعي وحاجة أساسية من حاجات الإنسان، ولكن حينما يتم الحصول عليه بالحلال الطيب الذي أحله الله تعالى, وأن يفهم الشاب أن شأن الجنس لغير المتزوج كشأن الطعام للصائم محرم حرمة مؤقتة حتى تغرب شمس يوم الصيام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى