باستقراء المعايير المحاسبية الدولية (المعايير المصرية ترجمة حرفية للمعايير الدولية) نجد بأن تلك المعايير تحتوى على قدر كبير من المرونة من خلال توفير العديد من الاختيارات والبدائل المحاسبية للوحدات الاقتصادية وذلك
لإمكانية تطبيقها في مختلف الدول بطريقه أكثر ملائمة واتساقا بسبب التباين في البيئات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية بين بلدان العالم ، ووفقا لمعايير المحاسبة الدولية فان تطبيق وممارسه الحكم المهني المتوازن يعتبر من أهم العوامل للوصول إلى القياس المالي المعبر عن الأداء الحقيقي للشركة بحيث انه إذا ما قام كل من معدى القوائم المالية والمراجعين بتطبيق ممارسه الحكم المهني بصورة أكثر الماما بالقواعد المحاسبية واعتمادا على مصطلحات عامه ذات دلالات ثابتة ، فان هذا من شأنه أن يوفر البيئة الملائمة للقياس المالي المعبر عن الأداء الحقيقي للشركة ، بالإضافة إلى الإفصاح الفعال للمعلومات لأصحاب المصالح المختلفة في المنشاة ولكي نصل إلى هذا الحكم المهني المتوازن ينبغي أن يعتمد وضع المعايير المحاسبية على إطار من المفاهيم والتعريفات الاقتصادية الشاملة والتي تتيح للممارس استخدام الحكم المهني لمعالجه الأحداث المحاسبية وفقا للجوهر الإقتصادى لهذه الأحداث ويسمى هذا النوع من المعايير المحاسبية القائمة على أساس المبادئ (Principal-based Accounting Standards ) وتتمتع مثل هذه المعايير بقدر عالي من البساطة والوضوح وقلة الاعتماد على الإرشادات اللازمة للتطبيق العلمي لمثل هذه المعايير ، وذلك بخلاف المعايير المحاسبية التي تعتمد على مجموعه من القواعد الأكثر تفصيلا وتحديدا والتي تعطى شرحا تفصيليا بالإجراءات والخطوات التي يجب أن يتم تطبيقها في معظم الممارسات والتطبيقات العملية لمعالجه الحدث الإقتصادى دون السماح بالخروج عن هذه القواعد (الصرامة في التطبيق) أو وجود اى قدر من الحكم المهني مما يؤدى إلى وجود تعقيد غير ضروري في المعايير المحاسبية وتشجيع هيكلة المعاملات المالية والتي لا ينتج عن إتباعها في معظم الأحيان الوصول إلى قوائم ماليه صحيحة وذات تمثيل عادل للوضع المالي للمنشاة ويسمى هذا النوع من المعايير المحاسبية بالمعايير المحاسبية القائمة على أساس القواعد( Rule –Based Accounting Standards )
وهكذا يمكن النظر إلى عملية وضع المعايير المحاسبية على إنها مدى مستمر أو متواصل يبدأ في احد أطرافه بمجموعه من القواعد المحددة وينتهي في الطرف الأخر بمجموعه من المفاهيم (المبادئ) التي تعتمد على تعريفات اقتصاديه عامه في مصلحاتها ودلالاتها (Schipper , 2000) .
وتأسيسا على ما سبق ، فقد أشارت دراسة (Rogero , 1998) انه كي يكون المعيار يتصف بخصائص ذات جودة عالية يجب أن يتم وضع المعايير على أساس المفاهيم ، حيث أن المعايير الموضوعة على أساس المفاهيم تكون أسهل في التطبيق والشرح من تلك المعايير الموضوعة على هيئة قائمة افعل ولا تفعل (أساس القواعد) ، ورغم انه لا يوجد معيار يستطيع التنبؤ بكافة وجميع الأسئلة والأحداث المستقبلية ، نجد إن المعيار الذي يعتمد على مفهوم أو موضوع محدد يمكنه التعامل مع الواقع العملي بصورة سهلة ويسيرة .
كما أشارت دراسة(Guerrera & Norman , 2002) إلى أن المدخل القائم على أساس المفاهيم بالنسبة لوضع المعايير المحاسبية يعتبر أفضل المدخلين بالنسبة لتحقيق أهداف لجنة معايير المحاسبة المالية فيما يتعلق بالتسجيل المحاسبي مقارنة بالمدخل القائم على أساس القواعد وذلك على النحو التالي :-
أولاً : أن المدخل القائم على أساس المفاهيم يحقق هدف لجنة معايير المحاسبة المالية التابعة لجمعية المحاسبة الأمريكية والذي يتطلب تحسين الفهم العام لكل من طبيعة وأهداف المعلومات التي تتضمنها التقارير المالية من خلال اعتماده على الإطار المفاهيمي الذي يجب أن يلم به مستخدمو المعلومات المحاسبية حتي يتمكنوا من استخدام تلك المعلومات بالشكل الملائم فى عملية اتخاذ القرارات .
ثانياً : أن تحقيق الهدف المشار إليه سابقاً عن طريق الاعتماد على أساس المفاهيم يؤدي إلي اتفاق وتقارب أكثر في عملية وضع المعايير المحاسبية بين كل من مجلس معايير المحاسبة المالية (FASB) ومجلس معايير المحاسبة الدولية( IASB ) وبالتالي إلي وجود توافق دولي في المعايير المحاسبية .
ويعتقدHerz ( Business Week Online,2002 ) رئيس مجلس معايير المحاسبة المالية الامريكي أن تطبيق الحكم المهني وانعكاسه على القوائم المالية سوف يتم تحسينه عن طريق اعتماد المحاسبين على استخدام أحكامهم المهنية بدلاً من تطبيق القواعد التفصيلية ، كما ويري Herz أن المعايير القائمة على أساس المفاهيم (المبادئ) سوف ينتج عنه معايير ذات حجم أقل من 12 صفحة بدلاً من بعض المعايير التي يتجاوز حجمها 100 صفحة فى ظل القواعد ، وبالتالي تكون هذه المعايير أبسط شكلاً ومضموناً بالإضافة إلي أنه يمكن تطبيقها على مدي أوسع من المعاملات والأحداث المحاسبية . أيضاً أشار Harrey Pitt رئيس هيئة الرقابة والإشراف على تداول الأوراق المالية الأمريكية ( SEC ) أن المعايير القائمة على أساس القواعد غير مرنة وبالتالي لا كواكب التطورات المستقبلية للأحداث الاقتصادية الأمر الذي ينتج عنه كيان محاسبي لا يمكنه التنبؤ بالأحداث الاقتصادية المستقبلية غير الظاهرة والمتوقعة .
وعلى الجانب الاسترالي يري ( Nationwide New , 2002 ) David Knott رئيس هيئة تداول الأوراق المالية والاستثمار الاسترالية أن زيادة تطبيق المعايير المحاسبية القائمة على أساس المفاهيم سوف يعمل على تقليل التلاعبات التي كان يرتبط الكثير منها بتطبيق القواعد المحاسبة .
بينما أشارت دراسة (Nelson , 2003) إلى أن الاعتماد على القواعد من شأنه أن يؤدي إلي زيادة درجة الدقة التي من خلالها يقوم واضعي المعايير بتوصيل متطلباتهم وأهدافهم إلي معدي القوائم المالية إلا أنه في المقابل لاحظ أن الاعتماد على وضع المعايير على أساس القواعد سيؤدي إلي زيادة درجة تعقيد المعايير بجانب هيكله الأحداق الاقتصادية .
كما أشارت دراسة(Schipper , 2003 ) إلى أن لجنة معايير المحاسبة المالية التابعة لجمعية المحاسبة الأمريكية أشارت إلي أنه إذا تم تطبيق المعايير القائمة على أساس المفاهيم بصورة صحيحة ومناسبة ، فإن هذا من شأنه أن يدعم ويؤيد هدف مجلس معايير المحاسبة المالية (FASB) وهو تحسين منفعة التسجيل المحاسبي من خلال التركيز على الخصائص الأساسية لكل من الملائمة والمصداقية .
كما تعتقد اللجنة أن تطبيق المدخل القائم على أساس المفاهيم سوف يعكس الجوهر الاقتصادي الصحيح للأحداث الاقتصادية ، إلا أن فكرة تطبيق المدخل القائم على أساس المفاهيم لن تكون سهلة حيث أنها تتطلب تغييراً جوهرياً فى اتجاه جميع الأطراف المهتمة بمعلومات المحاسبة المالية من واضعي المعايير ، هيئة الإشراف على تداول الأوراق المالية بالبورصة الأمريكية SEC ، المستثمرين , معدي القوائم المالية والمراجعين .
أيضا دراسة(Kohlbeak & Warfield , 2005 ) اختبرت مدي تأثير تطبيق أربعة معايير محاسبية تم وضعها على أساس المفاهيم بجانب اتفاقها مع تعريفات الأصول والخصوم طبقاً للإطار الفكري للمحاسبة على جودة المعلومات المحاسبية . وقد توصلت الدراسة إلي أن هناك علاقة ايجابية بين تطبيق المدخل القائم على أساس المفاهيم وزيادة القدرة التفسيرية والتنبؤية بالأرباح خاصة عند تطبيق معيار مزايا العاملين ، وبالتالي فقد أشارت الدراسة إلي وجود اتساق بين تطبيق المدخل القائم على أساس المفاهيم ونفعية المعلومات المحاسبية الناتجة عن تطبيق هذا المدخل لكل من المحللين الماليين والمستثمرين ويعتبر هذا دليلاً على جدوى تطبيق المدخل القائم على أساس المفاهيم كأساس ملائم لوضع المعايير المحاسبية .
كما أوضحت دراسة(Carmona & Trombetta , 2008 ) أن سبب القبول الواسع لمعايير المحاسبة الدولية ومعايير التقرير المالي الدولي يرجع إلى دورها في كل من : تدعيم مهنة المحاسبة ، والتوافق فيما بين البلدان ، ويعزى سبب ذلك إلى أن معايير المحاسبة الدولية اعتمدت على المدخل القائم على أساس المبادئ فى وضع المعايير المحاسبية الأمر الذي يزيد من فرص تطبيق معايير المحاسبة الدولية بشكل أكثر مرونة فى العديد من الدول رغم اختلاف الثقافات والظروف الاقتصادية ، بالإضافة إلي أن المعايير القائمة على أساس المبادئ تمكن المحاسبين من الاعتماد على كل من الخبرات والخلفيات التعليمية وبرامج التدريب المختلفة وتطبيق ذلك فى العديد من المنظمات وشركات المحاسبة . وأخيرا تشير هذه الدراسة إلي أن وضع المعايير الدولية على أساس المفاهيم تعتبر خطوة هامة جداً في عملية التوافق المحاسبي بالرغم من كون الاعتماد على هذا الأساس لا يمكن من خلاله توحيد المقاييس المحاسبية عبر الدول المختلفة .
هذا وقد توصلت دراسة (Tsakumis , et al . 2009) إلى أن معدي القوائم المالية وفقا للمعايير المعتمدة على أساس القواعد (الصرامة) قليلا ما يقومون بالتسجيل المالي الدقيق حتى مع وجود لجنة مستقلة للمراجعة ، وبالتالي فقد أيدت الدراسة فكرة الانتقال إلى المدخل القائم على أساس المبادئ سوف يعمل على تقوية الدور الذي تلعبه لجان المراجعة ، بالإضافة لزيادة الدقة في تسجيل البيانات المحاسبية .
د/احمد زكى حسين الشريف