السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفرق بين "السمع" و"الاستماع" و"الإصغاء" و"الإنصات"..
وهذه الحالات الأربع فرق بينها القرآن
بطريقة بليغة ودقيقة ومناسبة للموقف…
فحالة السمع العفوي
مثالها (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه)
وحالة الاستماع بقصد
(وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن)
أما الإصغاء التام فمثاله
(وإن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما)
أما طلب الصمت بغرض الاستماع والإصغاء فمثاله
(وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون)!
وإذا تأملت هذه الحالات الأربع تجد أن
"السمع"
هو الحالة العفوية الوحيدة بينها كون ذبذبات الصوت
تدخل أذنك
بلا استئذان وتهز طبلتك بلا مقدمات..
أما الحالات الثلاث المتبقية فأفعال إرادية مقصودة
يمكن التحكم بها
أو كسر ترتيبها (بإغلاق نافذة السيارة مثلا)..
وما يدهشني بحق هو أن الكفيف تغلب عليه حالة
"الإصغاء" ويصبح لديه "الاستماع" حالة عفوية دائمة
(بعكس المبصر الذي يبقى في دائرة الاختيار)..
بل يمكن القول إن الكفيف تتطور لديه حاسة السمع بمرور
الزمن
(وتتحول الى إصغاء مستمر)
فيرى من خلال الصوت مالا يراه معظم البشر..
ويكمن السر هنا في أن
حاسة الإبصار تشترك مع حاسة السمع
في تقديم صورة مجسمة لما يحدث حولنا.
ولكن حين تختفي حاسة الإبصار – بمجرد إغماض العينين – يتحمل السمع كامل العبء ويستعين بالخيال لتعويض
فقد البصر..
وتستطيع التأكد من هذه الحقيقة بنفسك إن أغلقت عينيك
في شارع مزدحم وحاولت (الإنصات) لحركة السيارات والمارة فيه..
ففي هذه الحالة لن تسمع فقط بشكل أفضل؛
بل سيتدخل خيالك ليعطيك صورة أعمق لما يجري حولك..
وحين يصبح إغماض العينين قدرا دائما (لدى الأعمى)
تتطور لديه حالة الإصغاء لدرجة قدرته على تحديد وجهات
الصوت وحركة السيارات ومعرفة الأشخاص
من وقع أقدامهم..
وبمرور الزمن يتمكن الكفيف فعليا من (رؤية)
ما حوله من خلال مزج الصوت بالخيال،
والإصغاء بالخبرة..
وهذا المزيج الرائع يفسر كيف أن أشهر "بيت"
في وصف الحرب قاله شاعر أعمى لم يشاهد معركة في حياته:
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا
وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
(لبشار بن بُرد، ومثار النقع: العاصفة الهوجاء)..
– لنتعلم كيف نغمض أعيننا ونرى العالم بشكل مختلف..