( An Introduction To Financial Management)
نبذة تاريخية :
منذ أن انفصلت الإدارة المالية عن علم الاقتصاد في مطلع القرن الحالي وأصبحت علما مستقلا بذاته وهي تخضع للكثير من التطورات السريعة، فعندما بدأت الإدارة المالية علما مستقلا كانت مقتصرة على الموضوعات المتعلقة بالأدوات والمؤسسات المالية، والمظاهر الإجرائية لسوق رأس المال؛ أما التطورات التي استجدت على هذا لموضوع، فيما بعد، فقد كانت في معظمها استجابة للتطورات والتغيرات التي أملتها الظروف التي كانت تمر بها المؤسسات الصناعية والتجارية
وفي مطلع القرن العشرين والذي تميز بظهور الشركات النفطية العملاقة وشركات السيارات الضخمة نتيجة لاندماج شركتين أو اكثر، ركزت الإدارة المالية على القضايا المتعلقة بالاندماج، وعلى الأمور التنظيمية العامة لمثل هذه المؤسسات بالإضافة إلى الإصدارات الرأسمالية ( أسهم و أسناد ) اللازمة لتمويل هذه العمليات . وعندما تطورت التكنولوجيا الحديثة في مطلع عام 1920، ورغبت المؤسسات في الحصول عليها، ظهرت حاجة ملحة لتوفير التمويل في مثل هذه الاستثمارات .
وقد كانت ضخامة الاستثمارات إحدى الأسباب التي أدت بالإدارة المالية إلى لعب دور جديد يتلخص في تدبير التمويل اللازم لذلك من المصادر الخارجية بالدرجة الأولى، في وقت كانت فيه الأسواق المالية تتصف بالبدائية، كما كانت عملية إقناع الجمهور لاستعمال مدخراته من أجل المساهمة في تمويل الصناعة أمرا في غاية الصعوبة لعدم كفاية المعلومات المحاسبية المتاحة، وعدم الثقة في دقة ما توافر منها .
كما يبدو في هذا السرد التاريخي، يمكن القول بأن هذه الفترة من تاريخ الإدارة المالية قد تميزت بالتركيز على المصادر لخارجية للتمويل وعلى النواحي القانونية التي تضمن للمستثمرين حقوقهم، ولم تعط إلا اهتماما قليلا للإدارة المالية الداخلية.
وفي مطلع الثلاثينات، وهي الفترة التي تميزت بالكساد الكبير الذي ساد أمريكا وأدى إلى إفلاس العديد من المؤسسات، ركزت الإدارة المالية اهتمامها على القضايا المتعلقة بالدفاع عن الوجود مثل الاهتمام بالسيولة لتفادي الإفلاس، وكذلك قضايا إعادة التنظيم والاهتمام بالتركيبة الرأسمالية المناسبة للمؤسسة، والقوانين المنظمة للأسواق المالية . وبشكل عام، ساد هذه الفترة مبدأ التحفظ (conservatism)، وبقيت الإدارة المالية علما وصفيا يركز على الأمور القانونية مع تحول في الاهتمام بالبقاء على حساب الانتشار.
أما في نهاية فترة الثلاثينات، ونتيجة لظهور بعض حالات الغش والخداع وانهيار بعض المؤسسات، رأت الجهات الحكومية ضرورة نشر الكثير من المعلومات المالية عن الشركات لاطلاع جمهور المستثمرين على حقيقة أوضاعها، وقد أدى نشر هده المعلومات إلى ظهور وظيفة جديدة للإدارة المالية، وهي وظيفة التحليل المالي لتوعية المستثمرين بفرص الاستثمار المناسبة .
وخلال الفترة 1940 – 1950 ساد الإدارة المالية الفكر التقليدي الذي تطور خلال العشرينات والثلاثينات، وهو المفهوم الذي ركز على الإدارة المالية من منظور خارجي، أي منظور المقرضين والمساهمين دون الاهتمام بعملية اتخاذ القرار داخل المؤسسة، و قبيل نهاية الخمسينات حدث تطور جوهري تمثل في البعد عن المسائل الوصفية التي صاحبت الإدارة المالية منذ نشأتها وبدأ التركيز على المسائل الكمية كالتحليل المالي والتخطيط لاستخدام الموارد المالية، والى جانب ذلك تزايد الاهتمام بإدارة السيولة والتدفقات النقدية.
أما الخمسينات فقد شهدت تسارعا في نمط تطور الإدارة المالية، ففي هذه الفترة بدأ الجانب الأيسر من الميزانية يستحوذ على بعض الاهتمام، كما أن الموجودات أيضا بدأت تحصل على اهتمام أفضل، وقد طورت أساليب كمية لادارة البضاعة والنقد والحسابات المدينة والموجودات الثابتة؛ كذلك انتقل اهتمام الإدارة المالية من المنظور الخارجي إلى المنظور الداخلي، كما تم التوصل إلى أن للقرارات المالية أثرا حيويا في وجود المؤسسة وجدواها.
أما الستينات والسبعينات فقد شهدت اهتماما كبيرا بدراسة كلفة رأس المال والمزيج الأفضل لهيكل رأس المال، كما بدأ في السبعينات أيضا الاهتمام بإدخال عنصر التضخم في عملية التحليل المالي . أما خلال عقد الثمانينات وبداية عقد التسعينات، فقد أدت التطورات التكنولوجية المتسارعة في مجال استخدامات الحاسوب إلى زيادة إمكانيات الإدارة المالية التطبيقية في استخدام أدوات التحليل المالي التقليدية بسهولة ويسر، حيث أصبح بالإمكان إجراء الدراسات والتحليلات المالية مهما كانت معقدة بأقل جهد ووقت ممكنين وبدقة متناهية، هذا من جانب؛ أما من جانب آخر، فقد شهدت هذه الفترة تركيزا على قضايا التسعير لأدوات الاستثمار المختلفة، التقليدية منها والمستحدثة
وباختصار، يمكن القول بأن الإدارة المالية تطورت من دراسة وصفية إلى دراسة علمية تخضع لمعايير تحليلية دقيقة، ومن حقل كان مهتما بالبحث عن مصادر التمويل فقط، إلى حقل يهتم بإدارة الأصول وتوجيه المصادر المالية المتاحة إلى مجالات الاستخدام الأفضل ،ومن حقل يهتم بالتحليل الخارجي للمؤسسة إلى حقل يركز على عملية اتخاذ القرار داخل المؤسسة.
إن دور الإدارة المالية في المؤسسة هو دور دائم التطور، وهو بذلك يتلاءم مع ما يستجد من أفكار وأساليب حديثة في مجالات استخدامها، فدور الإدارة المالية يختلف في هذه الأيام عن دورها قبل سنوات، ولا شك في أن دورها المستقبلي سيختلف عما هو عليه الآن، لذا فقد بات لزاما أن تواكب الإدارة المالية ودارسوها هذه التقديرات على نحو جاد حثيث .
الإدارة المالية الخاصة و العامة :
تقسم الإدارة المالية إلى حقلين رئيسين، هما حقل الإدارة المالية العامة، و حقل الإدارة المالية الخاصة . ومن المناسب الإشارة إلى أن هذين الحقلين ليسا منفصلين أحدهما عن الآخر تمام الانفصال، بل هناك تأثير متبادل بينهما، فالمالية الخاصة تدعم المالية العامة من خلال ما يدفعه القطاع الخاص من الضرائب، والمالية الخاصة تتلقى الدعم من قبل المالية العامة من خلال ما تنفقه الأخيرة على المشاريع و الخدمات . و بالإضافة إلى ذلك، فان كليهما يتعامل مع مجموعة واحدة من المؤسسات المالية، و يعمل في نفس السوق المالي الواحد .
أ – المالية العامة(public Finance) :
و هي النشاط الذي يهتم بعملية حصول الدولة على الأموال اللازمة لتسيير المرافق العامة و ضمان استخدام هذه الأموال بكفاية و فاعلية وفقا لما اعتمدت له بموجب القانون، و يشمل مجال المالية العامة ضمن هذا المفهوم ما يلي :
1- كيفية حصول الدولة على الأموال اللازمة لها و مجالات إنفاقها و توزيعها .
2- ممارسة الرقابة على الموارد و النفقات .
3- تأثير السياسات المالية في الاستهلاك و الإنفاق و الدخل القومي .
ب- المالي الخاصة (private Finance) :
و تختص الإدارة المالية الخاصة بالقرارات المتعلقة بحيازة الأصول و الأنشطة التي ستقوم المؤسسة بممارستها، كما تختص بإدارة النقد و توفير التمويل اللازم لتمكين المؤسسة من القيام بأنشطتها.
مقارنة بين المالية العامة و الخاصة :
تختلف المالية العامة عن المالية الخاصة من حيث الأهداف و الغايات، فالمالية العامة تسعى أولا لتحقيق أهداف اجتماعية تعود على المجتمع بأسره بالنفع و الخير .
و في المقابل تسعى المالية الخاصة إلى تحقيق مصالح أصحاب المشروع الشخصية عن طريق تحقيق الأرباح لهم ،و مثل هذا السعي نحو تحقيق المصلحة الخاصة يؤدي بصورة غير مباشرة إلى تحقيق غايات للمجتمع، تتمثل في زيادة الاستخدام و زيادة الناتج القومي الإجمالي، وهو ما تسعى إليه المالية العامة .
وأهم مجالات الاختلاف هي :
أ- في مجال التمويل :
تحصل الدولة على احتياجاتها المالية عن طريق الضرائب المباشرة وغير المباشرة، ومن الإيرادات غير الضريبية كالرسوم والرخص، إيرادات أملاك الدولة، أرباح الدولة ومشاركتها في المشروعات، والاقتراض؛ أما القطاع الخاص فيحصل على احتياجاته التمويلية عن طريق مساهمة أصحاب المشروع، وعن طريق الاقتراض والأرباح غير الموزعة .
ب- في مجال الاستثمار ( الإنفاق ) :
عندما يتخذ القطاع العام قراره بالإنفاق أو الاستثمار، فانه يهتم أولا بالرفاه الاجتماعي ويأتي الربح ثانيا . أما القطاع الخاص فيتخذ قراره في ضوء توقعه للحصول على عائد مناسب لرأس المال المستثمر مع اهتمام أقل بالأهداف الاجتماعية .