اعداد محاسب

المجاملة والنفاق

ما الفرق بين المجاملة والنفاق ؟
*

هل تعتبر المجاملة من الأدب أو من الكذب او النفاق ؟

المجاملة في اللغة هي :الملاطفة في أدب الكلام والمعاشرة لكسب القلوب واستمالتها.و المجاملة شيء نحتاج إليه في حياتنا اليومية ، ففي نطاق العمل ،الرئيس والمرؤوس كل منهم يجامل الآخر،وفي نطاق الأسرة نرى الزوج يجامل زوجته، وفي نطاق الحقل الطبي نرى المريض وأسرته يلاطفون الدكتور للعناية بمريضهم ,وهكذا في حقل التعليم والصحة ، والعمل ، والسياسة ،وفي البيت نرى الأبوان يجاملان الأبناء ، وهكذا في كل أمور الدنيا الاجتماعية . في كل الحقول المذكورة للمجاملة ، الأمر طبيعي ، وربما يكون مطلوبا لخلق جو من السعادة واللطافة بين أفراد المجتمع . ولكن ما هي حدود المجاملة ومتى تتحول إلى نفاق ؟ قد تضطرنا المجاملة إلا إظهار ما هو مغاير عن حقيقة ما نشعر به ،فهل يعتبر هذا من باب الكذب والنفاق ؟.
أقول هنا نعم في بعض المهن إن لم يكن في اغلبها، فالأصل أن الإنسان يجب أن يكون صادقا ، ذو عقل رزين، يستخدمه في المجاملة عندما يحتاج الموقف إلى المجاملة والمدح ، ويمتنع عنه عندما يكون الموقف يحتاج إلى شجاعة وحزم، ففي حالة النزاع بين الأسر أو الدول هل يكون قرار التحدي، او الحرب، هو الراجح أم ما ؟
القاعدة الأخلاقية أن يكون هناك عقلاء ذو رأي رشيد ويحسنوا استخدام الموقف ، ويبدأو بالمحاورة العقلانية للوصول إلى القرار الحكيم المبني على إعطاء الحق لصاحبة وليس رشوة القوي بالوقوف معه ومجاملته . هؤلاء هم العقلاء الذين يمسكون ما في أنفسهم من الغيظ و يصبرون إذا تعرضوا للأذى، وإذا قَدَروا عَفَوا عمَّن ظلمهم. وهذا هو الإحسان الذي يحب الله للمؤمنين الصالحين أن يتصرفوا به . وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ . أي يكافئهم على إحسانهم . قال احد الفلاسفة: الإحسان أن تحسن وقت الإمكان، وان تمسك نفسك وقت الغضب , فليس كل وقت يمكنك الإحسان ; وقال الشاعر : بادر بخير إذ ما كنت مقتدرا فليس في كل وقت أنت مقتدر . وقال أبو العباس الجماني فأحسن : ليس في كل ساعة وموقف تتهيأ صنائع الإحسان . ومع تعدد نعم الله علي عباده فإن البعض يكفر بأنعم الله عليه ولا يتعامل معه إلا علي أساس المنفعة الدنيوية والحاجة المادية ، فهو إن انتابته مصيبة أو ذهاب فرصة كان يرجو من ورائها الخير تراه ضيق الصدر وكثيرا ما يحدث نفسه ثم يرفع يديه إلي السماء معاهدا رب العالمين لئن كشف عنه ضره وبدد عسره إلى يسر وخوفه إلي أمن، ليكونن عبدا أوابا وليس ذلك بمنكر في الدين ، فالله سبحانه يحب من عبده دائما وأبدا أن يسأله فهو الجواد الكريم الذي يكشف الضر ويعطي عبده سؤاله وحول هذا المعني يقول القرآن وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان‏.‏ وقد قص القرآن هذا المشهد لقوم يتعاملون مع خالقهم علي أساس المنفعة الخالصة التي تعود عليهم ثم يرجعون إلي جحودهم كما وضح الله ذلك في قرآنه بقوله وإذا أنعمنا علي الإنسان أعرض ونأي بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض‏.‏ هذا في التعامل مع رب العلمين ، فكيف بالتعامل مع المسئولين، فإذا ضاعت فرصة توظيف ، أو ترقية ، أو بعثه ….الخ ضاقت الصدور ونبش ما في القبور ، وكشف ما في الصدور ،وكثر العواء ، وانفضحت أمور كانت مستترة سواء للغالب أو المغلوب ، أليس هذا هو التباغض والنفاق وتلوين المواقف حسب المصالح . فالحب يزداد ويقوي بقدر تحقيق الحاجة المادية والاستفادة الشخصية دون النظر إلى الخلق والدين . أهذا هو ديننا السمح ؟ المجاملة تحولت إلى قلة أدب لان أصلها كان نفاقا وليس مجاملة . والأصل أن الحب فقط لله وللرسول ولذوي الأمر إن كانوا صالحين . ، وقد جاء في القرآن الكريم في هذا المعنى لقوله تعالى: { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره } (التوبة:24) . إذن إنه لمن أعظم الخسارة والبوار أن يكدح المرء ويتعب في حياته الدنيا ولكن على غير هدى من الله وبصيرة فيكونَ عمله عليه وبالا وخسرانا مبينا في لحظة الحسم ومواقف الرجال {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ، يا الله ، يا الله ،كم هي الخسارة العظيمة حين يبعثر العمل ويضيع الكدح والتعب{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} .{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً}.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الخوارج الذين لم يكونوا على جادة السنة مع عظم عبادتهم وصلاتهم : ( قوم يحقر أحدُكم صلاته مع صلاتهم وقراءته مع قراءتهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) فاللهم دلنا على الحق ، وأعنا على إتباعه ، وثبتنا عليه حتى نلقاك . أليس هذا من علامات النفاق الدولي والقبلي والاجتماعي والعياذ بالله، فقال تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا. وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا} النساء.
أما العاملون بحقيقة مواقفهم وشخصياتهم المحبون لله ولرسوله فهم الصالحون العابدون الشاكرون ، ولمنزلة الشكر عند الله نري نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام
حيال هذه النعم ووافر العطاء قص القرآن عنه ذلك بقوله ” رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلي والدي وأن أعمل صالحا ترضاه لي وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين “‏.‏ وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا كان يوم القيامة نادى مناد من كان أجره على الله فليدخل الجنة فيقال من ذا الذي أجره على الله فيقوم العافون عن الناس يدخلون الجنة بغير حساب ) . ذكره الماوردي . وقال ابن المبارك : كنت عند المنصور جالسا فأمر بقتل رجل ; فقلت : يا أمير المؤمنين , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان يوم القيامة نادى مناد بين يدي الله عز وجل من كانت له يد عند الله فليتقدم فلا يتقدم إلا من عفا عن ذنب ) ; فأمر بإطلاقه .وقال اين الإحسان ، فأحسن إليه وفي النهاية اقول ان النفاق وان طال أمده فسوف ينكشف أمره وعندئذ لا ينفع الندم.
أقول في النهاية ، الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وسلم .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى