تنمية بشرية

أختلف معك أحيانا أحترمك.. أختلف معك دائما أقتلك!

“رأيي صواب يحتمل الخطأ.. ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب”..

هذه الجملة تُلخّص محتوى هذا المقال الذي يُؤكّد أننا نحتاج إلى تعلّم ثقافة الاختلاف لا الخلاف؛ فليس كل ما يُعجبك بالضرورة سيُعجب الآخرين، وليس كل ما تؤمن به من أفكار ومعتقدات بالضرورة يكون له لدى الآخرين نفس الاعتقاد والإيمان أو له نفس الدرجة من التأثير والأهمية، وليس كل ما تراه صحيحا هو في نظر ورؤية الآخرين كذلك.. ليس كل ما تراه في مفهومك على كونه خطأ قد يبدو على نفس الصورة في مفهوم الآخرين.. كما أنه ليس كل ما يُناسب ذوقك وتعشقه قد يناسب الآخر ويقبله.. وقديما قيل: الناس فيما يعشقون مذاهبُ، وكما قيل: لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع.

إننا لو حاولنا فرض ما نعتقد به على الآخرين نكون كأننا نفرض عليهم أن يبدلوا أشكالهم بأشكالنا، وهذا ضرب من المستحيلات؛ بمعنى أن الاعتراف بتباين الآراء والأفكار أمر حتمي، وخلاف ذلك يكون سعينا ضربا من العبث إن لم يكن من الحمق.

وترجع ثقافة الخلاف إلى الأنظمة التي سادت -ولا تزال سائدة- في بعض الدول العربية، بالإضافة إلى الزعامات السياسية الأحادية والمهيمنة التي حكمت -ولا يزال معظمها يحكم- دولنا العربية.. الشيء الذي جعل معظمنا يتبنّى ثقافة الخلاف، ويرفض الاختلاف شكلا ومضمونا؛ حتى داخل الأُسر نجد هيمنة كبير العائلة على بقية أفراد الأسرة في اتخاذ القرارات وإصدار الأحكام، وحتى في فرض أفكاره وجعلهم يتبنّونها دون السماح بمناقشتها وإبداء الرأي فيها.

وهكذا يقلّد الأب الجد في السير على منوال والده، والابن مع ابنه؛ حتى انتشرت العدوى في المجتمع على العكس في الدول المتقدّمة، والتي تعمل على غرس ثقافة الاختلاف والنقاش والمساءلة في نفوس طفلها مع توفير كل الإمكانيات له؛ لينشأ في بيئة سليمة تعترف به وبأفكاره وتشجّعه على التميّز، مع تلقينه احترام الرأي الآخر، واعتبار الاختلاف في الآراء من طبيعة الكائن البشري.

كما يرجع ذلك الخلاف إلى عدم اتّباع سيرة رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام، الذي كان يؤمن بثقافة الاختلاف، والتي هي مناقضة لثقافة الخلاف؛ حيث إنه كان عليه الصلاة والسلام يشاور أصحابه ونساءه ويستشيرهم ويأخذ بآرائهم ومقترحاتهم.

المتعصبين لاراءهم طبيعتهم تحمل من مشاعر “العدوانية”، “الحقد”، “البغض”، و”الاستكبار” ما تجعلها في حالة عمى عن سماع كل صوت أو الاستجابة مع كل فكر أو رأي، أو حتى وجهة نظر
تخالف أو تختلف معها أو تتعارض مع فكرها ومع مصالحها وأهدافها، وأعتقد أنه لو أدرك هؤلاء الفرق بين مقولة: “إذا لم تتفق معي” وبين مقولة: “إذا اختلفت معك”؛ فلن يتحدّثوا بتلك الصورة.

وأخيرا أرى أن أدب الخلاف ينحصر في جملتين هامتين لو تمثلهما كل مَن يدخل نقاشا لانتهت كل الإشكاليات التي تصاحب النقاشات؛ وهما:
– رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.
– إنما المسلمون إخوة؛ فلا يمكن أن تجد من يكفّر أخاه أو يسبّه.

 

فثقافة الاختلاف إذن تعني احترام كل وجهة نظر ورأي واختيار مخالف لآرائنا وأفكارنا واختياراتنا، وسماعه ومناقشته في أجواء يسود فيها الاحترام والهدوء وسعة صدر؛ وذلك بإفساح المجال لصاحبها للتعبير عنها وشرحها؛ فالاختلاف رحمة وهو سبب أساسي لازدهار المجتمعات، أما الخلاف فهو جوهر تحجّرها وتخلّفها ..

منقول بتصرف >>

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى