تنمية بشرية

التفكير الأمثل في العمل

 

* د. روزالين جليكمان

أقوم بتقديم أفضل ما عندي بالطريقة التي أعرفها، أفضل ما يمكنني تقديمه، وسوف أظل أفعل ذلك حتى النهاية”. (إبراهام لينكولن)
هل تتوق لعمل تحقّق فيه ذاتك من الناحية الجسدية والعقلية والروحية؟ هل وظيفتك تلبي إحتياجك من الأمان من الناحية المادية فحسب؟ لأنّنا نمضي ما يقرب من ثلث عمرنا في العمل، فمن مصلحتنا أن نحسن مركزنا في العمل ونرقى به إلى الوضع الأمثل. بعض الناس اتّبعوا حنينهم الداخلي لوظائفهم المختارة، فاكتشفوا واستكشفوا وعبروا عن مواهبهم الفطرية وقدّموا خدمات للآخرين بما يتّفق مع دافعهم الباطني النفسي الأعلى. في البداية قد يكونون قبلوا بعض الفرص غير المدفوعة الأجر من أجل تطوير مواهبهم وتحسين مهاراتهم وحرفيتهم والإرتقاء بها إلى الوضع الأمثل، وعن طريق تقييم إمكانياتهم والمشاركة بها مع الآخرين يشعرون بالرضا الكامل عن عملهم اليومي، ويتمتعون بالمكافأة الكبيرة التي يحصلون عليها بالتعبير عن أنفسهم وأرواحهم.
عندما تكتشف وتتقبّل غاية حياتك العملية سينتابك إحساسٌ رائعٌ وستجد نفسك منهمكاً تماماً في العمل الذي تقوم به، بل يمكنك أن تفقد إحساسك بالوقت عندما تكون في العمل، ستشعر أنك ولدت لتعبّر عن مواهبك المتفردة، وأنّ الكون كلّه يدعم أفضل محاولاتك، ستجد طاقتك تتفجر بشكل طبيعي عندما تقوم بعمل يحقّق ذاتك وينفع الآخرين.. وهاك مثالاً على ذلك:
في عام 1982، كوّنت صداقة مع جارتي إليزابيث وهي سيدة كان لها شأن كبير على الساحة السياسية، لم تكن إليزابيث مستمتعة بعالم السياسة وكثيراً ما كانت تشكو من إختناق روح الإبداع والإبتكار بداخلها. ما زلت أذكر المرّة الأولى التي دخلت فيها منزلها، فلم أستطع مقاومة الانبهار بحسها الفنّي الرائع في تنسيق ديكور منزلها، فقد كان منزلها دافئاً ومريحاً وفي نفس الوقت في غاية الأناقة، ومن الواضح أنني لم أكن الوحيدة التي أظهرت إعجابي بموهبتها هذه. وفي عام 1983 طلب منها أحد أصدقائها أن تنسق ديكور منزله نظير أجر متواضع، فقبلت إليزابيث وأنجزت عملاً رائعاً من الطراز الأوّل. وبعد ذلك صار العديد من الناس يدفعون لها لقاء خدماتها، ومنذ ذلك الوقت كسبت ملايين من الدولارات من وراء موهبتها وعملها لما تحب وتهوى. وفي الأسبوع الماضي سألتها: كيف فعلتِ هذا؟، ردّت عليَّ قائلة: “لقد حدث الأمر تلقائيّاً. فقط وددت لو أنني قمت بهذا قبل عشرين سنة”.
– نموذج أمثل جديد:
معظم المؤسسات تحتوي على إدارة وموظّفين، عادة ما يقوم المديرون بإظهار مهارات البارعين في عملهم ويتوقّع منهم أن يديروا المهام الوظيفية لموظفيهم. يبني المديرون المتميّزون قراراتهم وتوجيهاتهم وفق التفكير الإيجابي المتميّز، بينما يستخدم المديرون المتوسطو الكفاءة التفكير الإيجابي التقليدي. والموظّفون الجيِّدون هم من يوظفون توجيهات مديرهم بكفاءة وفعالية فحسب، لذا نجد أن نمط التفكير السائد وبيئة العمل عادة ما يكونان دون الأمثل.
هل تود أن تشارك بأفضل جهودك في بيئة عمل مُثلى؟ تخيّل أنّك تعمل في شركة مُثلى يتمتع كل من فيها بثقافة التفكير الأمثل ويتفق هدفه الوظيفي مع أهداف الشركة. والمدير التنفيذي لهذه الشركة يسعى نحو الأمثلية وكذلك الموظفون. وكبار الموظّفين في هذه الشركة هم الذين يحاولون الوصول للوضع الأمثل بإستمرار، ويوظفون مهاراتهم في ذلك. فعلى سبيل المثال، نجد أن قسم المبيعات يتكوّن من مديرين وموظفين ساعين نحو الأمثلية، بدلاً من مديرين وموظفين تقليديين.
إنّ ثقافة المؤسسات تحترم التفكير السلبي وكل الأشكال الأخرى من التفكير دون الأمثل كتعبيرات حقيقية عن الواقع ومقدّمة مسوِّغة لتحسين الأشياء والوصول بها إلى الوضع الأمثل. في هذه الشركة المُثلى، يتقبّل الموظّفون الساعون نحو الأمثلية أفكارهم دون المُثلى الخاصة، ثمّ يطرحون أفضل أسئلة لتحسين سلوكهم والإرتقاء به للوضع الأمثل، فهم يخرجون أفضل الأعمال من أنفسهم والآخرين بطرح أسئلة مثل: هل هذا أفضل ما يمكنني/ يمكنك عمله؟ ما أفضل خيار هنا؟ ما أفضل ما يمكنني القيام به في ظل هذه الظروف؟ وهم لا يقنعون بثاني أفضل الخيارات. وعندما يواجه أحد الموظّفين الساعين نحو الأمثلية بعض الصعوبات يساعده الموظفون الآخرون الساعون نحوها في حلها لو أمكنهم. ويحصل الساعون نحو الأمثلية على ترقية عندما يعترف زملاؤهم ورؤساؤهم وعملاؤهم بسلوكهم ومهاراتهم الفائقة. هل يمكنك تخيل مدى نشاط وحيوية هذه الشركة المثلى؟
المصدر: كتاب التفكير الأمثل (كيف تحقّق أفضل ما في ذاتك)

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى