اعداد محاسب

استقلالية التدقيق – المعايير

 

استقلالية التدقيق – المعايير

بحسب جمعية المدققين الداخليين، لا يمكن أن يحمل المدققين الداخليين كل المسؤولية على إدارة المخاطر المؤسساتية، لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تضارب في المصالح. إذ ينص بند رقم (١١٠٠) من معايير جمعية المدققين الداخليين على ما يلي: يتعين أن تتمتع أعمال التدقيق الداخلي بالاستقلالية، وعلى المدققين الداخليين الالتزام بالموضوعية في أداء عملهم.

من جانبهم يذهب المُدققون المؤيدون للاستقلالية التامة للمدقق الداخلي – ذوي النزعة التقليدية – إلى ضرورة أن ينأى المُدقق الداخلي بنفسه عن المشاركة في صُنع القرارات المتعلقة بالإدارة، وذلك تجنبًا لتضارب المصالح، وحتى يتسنى له التدقيق على نتائج تلك القرارات. وعليه فهؤلاء المُدققين الداخليين لا يبدون استعدادًا للمشاركة في مهام إدارة المخاطر أو حتى الانضمام إلى صفوف الفريق التنفيذي الأعلى بالمؤسسة. هذا التوجه قد ينتج عنه انحسار دور التدقيق الداخلي إلى دور ثانوي ضمن هيكلية المؤسسة، ما قد يؤدي إلى عدم فعالية التدقيق الداخلي، حتى وإن تمتع بالاستقلالية. للتغلب على هذه المُشكلة، عمد القائمون على التدقيق الداخلي إلى وضع مجموعة من القوانين التي تكفل مشاركة عملية التدقيق الداخلي في إدارة المخاطر (راجع بيان منهج جمعية المُدققين الداخليين، ٢٠٠٩). تستند هذه القواعد إلى منهج تحتفظ بموجبه الإدارة بمسؤولية إدارة المخاطر المُؤسساتية، في حين يتولى التدقيق الداخلي مهمة تقديم الدعم الأساسي والتأكيد. وهو المنهج الذي يتفق مع الدور التقليدي للمُدقق الداخلي، المُتمثل في المُراجعة وضمان الالتزام بأنظمة الرقابة الداخلية التي هي مسؤولة الإدارة.

من زاوية أخرى، يرى كبار المُحللين أن معايير جمعية المدققين الداخليين تسمح للتدقيق الداخلي العمل في مجال إدارة المخاطر، شريطة توفر مجموعة من الضمانات. غير أن مشكلة الاستقلالية تقف حاجزًا أمام تحقيق التكامل التام بين التدقيق الداخلي وإدارة المخاطر.

استقلالية المُدقق – الواقع

إذا ما تناولنا مفهوم استقلالية المُدقق الداخلي بشيء من التفصيل، فإننا سنكشف عن مجموعة من الفجوات. وفي هذا السياق فقد كشفت الدراسة التي أعدها كريستوفر ولونج وسارنز عام ٢٠٠٩ عن طبيعة التوتر القائم حاليًّا ضمن نطاق مهام التدقيق الداخلي فيما يتعلق بالاستقلالية. حددت الدراسة ثلاثة محاور تؤثر في قيمة استقلالية التدقيق، كما أثارت مجموعة من التساؤلات في هذا الشأن. وهذه المحاور هي:

١ – يُعد التدقيق الداخلي ساحة تدريب لمديري المُستقبل

حيث أظهرت دراسة كرستوفر أن التدقيق الداخلي يُعدّ ساحة تدريب أو نقطة انطلاق للكوادر الواعدة للارتقاء إلى مناصب إدارية. هل من الممكن أن يقوم المُدقق الداخلي برفع تقارير ضد الإدارة على نحو مُستقل، في الوقت الذي تخضع فيه أعمالهم لإشراف الإدارة سعيًا وراء دورٍ إجرائيٍّ في المُستقبل؟

٢- موازنة التدقيق الداخلي وتخطيطه

أظهرت دراسة كريستوفر وزُملائه أنه في ٣٠ % من الحالات التي خضعت للدراسة، تم اعتماد موازنة التدقيق الداخلي من قِبَل الرئيس التنفيذي أو المُدير المالي للمؤسسة. كما كشفت أنه في ٦٤ % من الحالات، كان لدى الرئيس التنفيذي أو المُدير المالي تأثير قوي على تخطيط أعمال التدقيق.

٣- الشراكة مع الإدارة

تُشير دراسة كرستوفر وزُملائه أن ٥٦ % من إدارات التدقيق الداخلي تنظر إلى أعمال المُدقق الداخلي كشريك للإدارة. يُعلق كريستوفر على ذلك بقوله: قد تضع هذه الثقافة بشكل غير مُباشر عبئًا إضافيًّا على التدقيق الداخلي للعمل مع الإدارة لتحقيق هدفٍ مشتركٍ، بد من العمل كجهة مستقلة تمارس الرقابة عليها.

وبحسب رؤية المؤلف، فإن الفائدة الناتجة من تبنّي منهجٍ تعاوني وتشاركي أهم من النظرة التقليدية بشأن الاستقلالية. فالمنهج التشاركي يقتضي عمل المُدقق جنبًا إلى جنب مع الإدارة كأعضاء في فريقٍ واحدٍ يسعى نحو هدف مُشترك. وبذلك يكون هذا المنهج والنظرة التقليدية حول الاستقلالية والموضوعية على طرفي نقيض.

ومما سبق يتضح أن النظرة التقليدية للتدقيق الداخلي كانت تستند إلى نموذجٍ رجعي، يُعنى بجانب ضمان الالتزام بالسياسات والإجراءات. هذا الدور الذي لا يختلف عن دور الشرطي والقائم على مراجعة أحداث / معاملات سابقة لا يُعد دورًا إستراتيجيًّا، كما لا يُحقق أي قيمة إضافية.

يتفق المنهج المعاصر القائم على الشراكة مع بيان جمعية المُدققين الداخليين (الشبكة العالمية لمعلومات التدقيق، ٢٠٠٩) حول الأزمة المالية العالمية: إن التغيّر بتوقعات الأطراف المعنية يتطلب من المُدقق الداخلي القيام بدور إستراتيجي أكبر، تُعطى فيه الأولوية لأعمال إدارة المخاطر على أعمال التدقيق الخاصة بالضوابط والالتزام. فالمُدقق الداخلي في يومنا هذا يسعى إلى الخروج من ذلك القالب الرجعي، وهو ما جعله يرى أن لديه هدفًا إستراتيجيًّا يتطلع معه نحو المُستقبل، وأن نطاق عمله يُضيف قيمة كبيرة إلى الإدارة. فهو بذلك يرى نفسه كاستشاري مهم .

وفي السياق ذاته، قد يؤدي التقيد الصارم بقواعد الاستقلالية إلى غياب رؤساء التدقيق الداخلي عن صفوف فريق الإدارة العليا، بل والنزول بهم إلى أسفل الهيكل الإداري، واستبعادهم من المشاركة في المسائل المهمة، مثل الإستراتيجية وإدارة المخاطر. هذا النموذج لا يمكن الاستمرار به في المؤسسات الحديثة والسريعة التطور.

إذا كان المُدقق الداخلي يطمح في أن يكون جُزءًا أساسياً في أي مؤسسة، فعليه أن يكون عُضوًا في الفريق التنفيذي ، وأن يكون عُنصرًا فاع في عملية صنع القرار الإداري، وأن يتبنى توجهًا إستراتيجيًّا وفكرًا تقدمياً.

الاستنتاج

إن التقيد الصارم بقواعد الاستقلالية في التدقيق لا يزال يقف عائقًا أمام تحقيق التكامل. فقد أظهرت الدراسات أن المُدققين الداخليين، في سياق سعيهم نحو تحقيق الاستقلالية، يعملون غالبًا في بيئة تؤثر سلباً على تلك الاستقلالية. مفهوم الاستقلالية في التدقيق الداخلي قد يكون أقرب إلى الوهم منه إلى الواقع. كما أن الالتزام بهذه الاستقلالية لم يعد يتفق مع النموذج الأكثر نُضجًا والقائم على المُشاركة للتفاعل بين التدقيق الداخلي والإدارة.

إذا كانت استقلالية التدقيق باتت أمراً وهمياً، ولم تعد تتوافق مع منهجيات الأعمال المُعاصرة، فلا ينبغي أن تقف عائقًا أمام تحقيق التكامل بين التدقيق الداخلي وإدارة المخاطر.

المراجع

1- جو كريستوفر، وجيريت سارنز، وفيلومينا لونج (٢٠٠٩). تحليل نقدي لاستقلالية التدقيق الداخلي: أدلة من أستراليا. مجلة المُحاسبة والتدقيق والمُساءلة: مُجلد (٢٢ )، العدد (٢)، ص ٢٠٠ – ٢٢٠.

2- جمعية المُدققين الداخليين (٢٠٠٩). عالم يمر بأزمة اقتصادية: أهم المحاور لإعادة توجيه إستراتيجية التدقيق الداخلي. ضمن سلسلة الشبكة العالمية لمعلومات التدقيق.

3- جمعية المُدققين الداخليين بيان المنهج (٢٠٠٩) دور التدقيق الداخلي في إدارة المخاطر على مستوى المؤسسات

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى