تنمية بشرية

دراسة – هل فكرة مشروعك الجديد بعيدة عن الفُقاعة؟ .. تأكد أولاً

انتشرت في الاونة الاخيرة المؤتمرات و المسابقات التي تدعو الشباب الي اطلاق مشاريعهم الخاصة في اقرب وقت ، و

اهتمت العديد منها بتخريج اكبر عدد ممكن من الشباب ممن يمتلكون مشاريع انترنت خاصة بهم. و لكن السؤال هنا، هل نجحت تلك المواقع فعلاً ؟ هل نجح على الاقل نصفها او ربعها عملياً ؟ الاجابه للأسف و حسب الاحصائيات هي “لا” !
 أين الخطأ ؟!

بعض المواقع نجحت و لكن اقل من النسب المتوقعة ، و الغريب في الامر ان معظم المواقع التي صممت للمنافسة العالمية كانت اسرع المواقع فشلا ! فمن اين الخطأ اذن ؟؟ لقد اتبعنا النموذج الغربي في بداية ثورة الانترنت و هو عمل المؤتمرات والحاضنات التي تدعو الشباب لاطلاق المشاريع بكثافة لزيادة المحتوى فلماذا لم ننجح حتى الان ؟!

الخطأ ايها السادة هو اننا نهتم بالكمية “العدد” لا النوعية “الجودة” ، نهتم بامتلاك موقع يبيع كل المنتجات التي خلقت لتباع، نهتم بأن يتواجد الالاف يوميا على الموقع، نهتم بأن نمتلك صفحة فيسبوكية مليونية.. نهتم بعدد الليمون اكثر من جودته !

عند بداية استخدام الانترنت كان من المفيد ان ندعو الشباب الي اطلاق مشاريع جديدة و باستمرار ، و لكن الان علينا ان ندعوهم ان يفكروا جيدا أيِ المشاريع عليهم ان يطلقوها.. لقد امتلئت الزجاجة عن اخرها بالماء ، و علينا ان نستبدله بالعصير لكي يتطور في عيون المستخدمين و ، وليس بملئها بالمزيد من الماء !

دفع الشباب الي اطلاق الكثير من المشاريع هو سبب ظهور نظرية “الفقاعة” ، و هي ببساطة المعني المُباشر لفشل المواقع الناجحة بعد فترة من اطلاقها و ذلك بسبب كثرتها، فعلى سبيل المثال :

كثرت المنتديات العربية في الفترة من ٢٠٠٥ و حتى ٢٠٠٧ حتى اصبحت اشعر بأنه مشروع حكومي يدعو الي منتدى لكل مواطن !.. و اذا بالفقاعة تنفجر فجأة و يبدأ الجميع يتذوق طعم الخسارة، ثم مرة اخرى في العام التالي تفجرت ثورة المواقع الاخبارية فقرر الجميع ان يكون لديهم موقع اخباري ..و كانت النتيجة ان الناس بدأت تقشعر من كثرة تلك المواقع حتى اصبحت لا تلتفت إلا الي موقعين او ثلاثة في المفضلة فقط.

ثم يقرر الجميع الان انشاء مواقع عروض الشراء الجماعي ، حتى اصبحت المواقع المختصة بهذا المجال مثلا تزيد عن ١٢ موقع خلال عام واحد في مصر، و كانت النتيجة انفجار الفقاعة بخروج ليفنج سوشيال بخسائر من منطقة الشرق الاوسط و تحقيق جروبون العالمية لخسائر العام الماضي و هناك من سيتبعهما قريبا .

السبب في كل هذا اننا لم نستوعب بعد فكرة ريادة الاعمال ، البعض مازال يعتقد انها تعني ان تأتي بنموذج ناجح و تنشئ مثله تماما او تجري عليه بعض التعديلات ليست ذات اهمية لتعطي الحجة النفسية للمستثمرين ليعطوك المال !

ريادة الاعمال تختلف الان عن السابق اذا ما اردنا ان نستوعب الدرس و ننهي تلك النظرية المسماة بالفقاعة، فبدلا من ان نلهث وراء تجارب ناجحة حتى نحولها لفاشلة، علينا ان نبتكر و نبحث عن بدائل جديدة و نبحث عن سلوك المستخدمين .

فالموقع الأول صاحب الفكرة الجديدة سيحقق نجاحاً كبيراً على الرغم من انه سينفق كثيراً من الوقت والمال والجهد حتى يدخل ضمن ثقافة العميل و لكنه سيظل الاول و الاكثر ربحا.. ثاني موقع يتبنى نفس الفكرة بدون تغييرها سيربح ايضا و سينفق اقل لجذب المستخدمين ؛ لانهم أصبحوا يمتلكون بالفعل خلفية عن الامر..

نستطيع ان نقول ان الموقع الاول سينفق دولار ليربح عشرة اما الثاني فسينفق نصف دولار ليربح ٦ دولارات  ثم سيأتي الثالث ليربح ايضا بدرجة اقل و  كذلك الرابع ، و من ثم بدءا من الخامس ستبدأ الفكرة تعرف طريق الفشل !
فكّر أولاً

الدرس الاول الذي يجب ان يتعلمه من ينوي دخول مجال ريادة الاعمال الان، هو ان يفكر جيدا قبل دخول السوق و ان يجري دراسات و ابحاث مستفيضة ، و الا يتبنّى فكرة مستهلكة من قبل ، او على الاقل يجب ان يجري هيكلة تتناسب مع الوضع الحالي.. المنافسة ستكون كيف تقنع المستخدمين بمنتجك او خدمتك، فكّر في هذا الامر كثيرا و لا تقل انهم سيتقبلوك مثلما تقبلوا الاخرين ببساطة لأن توقيت الظهور يشكل نقطة تحول .
التخصص هو الحل !

فمثلا عند دراستك السوق الان ستجد انه يميل الي “التخصص” في سلع او خدمات معينة، فقد انتهى زمن صاحب المول الالكتروني الذي يبيع كل شئ ، او مقدم الخدمات السوبر الذي يستطيع كما يقال بالدارجة المصرية ان ( يلف الفيل في منديل) . المستهلكون الان يبحثون عن التخصص ، فمثلا بدلا من انشاء موقع عروض جماعية في كل شئ ، لماذا لا تتخصص في عروض مطاعم فقط او عروض فنادق و رحلات فقط ، ربما سيشجعك على هذا اذا علمت ان اكثر من ٨٠٪ من مبيعات مواقع الشراء الجماعي هي كوبونات مطاعم سريعة !

لماذا تصر على استهداف شريحة كبيرة مستهلكة ؟ لماذا لا تركز على تخصص ما و تقدم افضل خدمة ممكنة فيه ؟! هذا سيجعلك تحوذ على ثقة الشريحة التي تهتم بهذا المجال باستمرار !

يمكنك مثلا ان تقصر خدمات موقعك ذو العروض الجماعية على حي شهير في  العاصمة و ان تحدث ضجة اعلامية تخبر جميع من بهذا الحي بأنك ستهتم بتقديم عروض قريبة منهم و مناسبة لهم ، ماذا تتوقع عندها ؟؟ بالتأكيد ستنال اعجاب سكان تلك المنطقة (لأنك تهتم بهم اكثر من الاخرين) و سيقررون تجربتك و اعطاءك الفرصة تلو الفرصة حتى اذا كانوا عملاء لمواقع اخرى و ذلك لأنك استطعت بشئ بسيط ان تأسر قلوبهم !

ثم لا يجب ان تفكر بأنه كان بأمكانك ان تستهدف العاصمة كلها مثلا و ليس هذا الحي فقط ، لأنك اذا كنت فعلت فستصبح واحد من هؤلاء الذين نقابلهم و ننساهم على الفور خلال رحلتنا على الانترنت يوميا.

باختصار الحل الان في استهداف شريحة الكترونية متوسطة او صغيرة و لكن ان تكسب ولائهم لك هو الأهم !

هذا هو التحول الالكتروني الان فمثلا اذا كنت تريد شراء ساعة و دخلت على متجر يبيع ساعات و ملابس و الكترونيات و ادوات مطبخ  ووجدت فيه ساعة جيدة ثم رأيت متجر اخر في نفس الطريق متخصص فقط في بيع الساعات و لديه ساعه جيدة، فمن ستفضل الشراء منه ؟؟

لا اقصد هنا بأن اقلل من شأن المواقع الضخمة التي تبيع كل شئ مثل سوق دوت كوم مثلا ، فهذه المواقع ظهرت في وقت مناسب لها و غير مناسب لغيرها و كانت سببا في ادخال التجارة الالكترونية للمنطقة ، و لكن الان اذا قمت بتقليدها بشكل اعمى فلن تجد من يشتري منك !
اعتن بما تُقدمه

مثال اخر ، اذا دخلت على موقعين متخصصين لبيع الساعات ووجدت في كلاهما الساعة التي تريدها وكلا الموقعين يتمتع بسمعة طيبة ، و لكن في الموقع الاول هناك صورة واحدة للساعة و نبذة من سطرين عنها ، اما في الموقع الثاني فهناك اربع صور لكل جوانب الساعة و صورة للمحرك الداخلي و صورة لنجم شهير و هي تلمع في يديه و نبذة عن مكوناتها + مقاله عن تاريخ المصنع و حجم مبيعاته و اشهر ما قالته عنه الصحف … الخ ، فأي الموقعين ستقرر الشراء منه الان ؟؟

بمعنى ادق من ستعتقد انه يعتني بمنتجاته اكثر ؟؟ ماذا لو وجدت موقع ثالث متخصص في بيع الساعات من ماركة شهيرة واحدة فقط ( و انت تفضل تلك الماركة) فمن اين ستشتري حينها؟؟

هذا كان دليلا على كيفية استخدام الدراسات الخاصة بسلوك المستخدمين في تطوير مشروعك و جعله اكثر قدرة على المنافسه، حتى اذا كان مشابه لاخرين .

اذا تعمقت اكثر في الدراسات المختصة ستجد ان الزبائن الذين اشتروا بالفعل من متاجر انترنت عربية يعانون من بطئ عملية التسليم، فماذا لو تميزت في تلك النقطة بأن تكون الاسرع في توصيل الطلبيات.؟؟

هناك نموذج ناجح في هذا المجال و هو موقع جادوبادو .. يقول مؤسسه انه اطلقه في وقت كان كل الشباب يسعون لعمل متاجر انترنت شبيهة بأمازون في المنطقة العربية و لكن كثير منها فشل  كموقع ميزادو مثلا ، و ذلك لانهم لم يدركوا سر نجاح امازون و هي البنية التحتية و سرعة التوصيل و هو ما حققه في موقعه جادوبادو و استطاع ان يربح اكثر من مليون في فترة قصيرة .

هل ادركتم الان لماذا يجب على رواد الاعمال ان يهتموا بدراسات سلوك المستخدمين بل حتى الدراسات النفسية لهم بدلاً من الاهتمام بادارة المشروع او استصدار فكرة اجنبية او تقليد اخرى ناجحة او حتى ابتكار افكار جديدة قد تكون مربحة على المدى الطويل و لكنها مكلّفة للغاية .

قابلت في بعض المؤتمرات افكار رائعة و مبتكرة و ربما تستهدف شريحة كبيرة و لكنها تحتاج تغيير سلوك المستخدمين العرب لتنفيذها هنا. ليس لديّ مشكلة في ان يتم تنفيذها حالا ، حتى يتم تغيير الثقافة للافضل و المساهمة في التطوير ..و لكن على رائد الاعمال ان يدرك خطورة الامر و انه مقبل على مجهود شاق و مكلّف و عليه ان يضع الخطة طويلة الامد للربح ، اما اذا فقد تلك المتطلبات فسيكون عزاءه الوحيد بعد ان ييأس و يغلق مشروعه بسرعة هو انه اول من ادخل الفكرة يوما ما  الي المنطقة !

البديل دائما متوافر ، و هو انه يمكن ببعض المجهود ان تتنبأ الي اين يتجه السوق الرقمي، فإذا مثلا قمت بعمل استبيان بسيط على العملاء في موقع ما تريد انشاء شبيه له و عرفت منهم ما يزعجهم و قمت باصلاحه و ما يرغبون فيه و قمت بتوفيره ، فستكون على موعد مع الربح اذا كسبت ولاء هؤلاء الاشخاص .

ايضا اذا كنت تريد اطلاق مشروع ضخم و ليس لديك وقت للدراسات فيمكنك ان تستأجر خبراء في دراسة سلوك المستهلكين الاوربيين اذا كنت تنوي استهداف السوق الاوروبي ! اما اذا كنت تنوي استهداف السوق العربي فحتما لن يفيدك خبراء امريكا اللاتينية !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى