اعداد محاسب

إصلاح الهياكل التمويلية وتوريق الديون فى ميزان الفقه الإسلامى

إصلاح الهياكل التمويلية وتوريق الديون
فى ميزان الفقه الإسلامى
إعــداد
دكتور حسين شحاتة
الأستاذ بجامعة الأزهر

 ــ الخلل فى هياكل التمويل وآثاره السلبية .
تعانى معظم الشركات التى تمول عملياتها عن طريق الائتمان بقروض من البنوك بخلل فى هيكل تمويلها يتمثل فى عدم التوازن بين حجم التمويل بالائتمان إلى حجم التمويل الذاتى ، ويترتب على هذا الخلل آثاراً سلبية خطيرة أحياناً تقود إلى الخسارة والتوقف والإفلاس والتصفية إذا لم يعاد النظر فى إصلاح ذلك الخلل بسرعة .
ومن أسباب الخسارة الناجمة من الخلل فى هيكل التمويل ، أن أعباء التمويل بالائتمان وتتمثل فى الفائدة الثابتة تكون أعلى من العائد الفعلى الناتج من النشاط والذى يطلق عليه فى الأوساط المالية بمعدل العائد الداخلى فأحياناً تكون الشركة رابحة من النشاط الأساسى وعندما تخصم فوائد الديون والقروض من مجمل الربح تتحول الشركة إلى خاسرة ، كما أنه فى معظم الأحيان لا تستطيع الشركات سداد أقساط الديون والقروض فى مواعيدها فتلجأ إلى الجدولة بأسعار فائدة عالية وهذا ما كان يحدث فى الجاهلية عندما كان يتعثر المدين ، فيقول له الدائن ” أتقضى أم تربى ” .
وهناك وسائل عديدة لإصلاح الهياكل التمويلية منها وسيلة التوريق وإعادة الجدولة وزيادة رأس المال … وسوف ندرس الجوانب الشرعية لهذه الوسائل مع التركيز على وسيلة التوريق .
 ــ تقييم وسائل إصلاح الهياكل التمويلية من منظور الفقه الإسلامى
هناك وسائل مختلفة لإصلاح الهياكل التمويلية منها على سبيل المثال :
[ 1 ] ــ زيادة رأس المال بإصدار أسهم جديدة واستخدام ثمن المبيع فى سداد القروض وهذه الوسيلة جائزة شرعاً ويصبح حملة الأسهم الجدد مشاركون فى الكسب والخسارة ، ويصعب تطبيق هذه الوسيلة فى حالة الشركات الخاسرة حيث لا يقبل المستثمرون الجدد على شراء أسهم لشركة خاسرة وبها مشاكل مالية .
[ 2 ] ــ بيع بعض الأصول الثابتة غير المستغلة والتخلص من المخزون بالبيع مع تخفيض السعر واستخدام الحصيلة فى سداد الديون والقروض وفوائدها وهذه الوسيلة جائزة شرعاً ، ويتوقف تطبيقها على وجود تلك الأصول وإمكانية بيعها بدون خسارة فادحة .
[ 3 ] ــ إصدار قرض سندات طويلة الأجل بسعر فائدة مرتفع ، وتستخدم الحصيلة فى سداد الديون والقروض أو إعطاء أصحاب الديون والقروض سندات .
وهذه الوسيلة غير جائزة شرعاً لأنها تقوم على بيع الدين بالدين ولقد نهى الرسول (  ) عن ذلك ، فقد نهى (  ) عن بيع الكالىء بالكالىء ، كما أن هذه الوسيلة لا تعالج الخلل فى هيكل التمويل ولكن لا تعدو عن استبدال قرض بقرض ودين بدين ، ويظل عبء الفوائد الربوية جاسماً على الشركة ، بل يكون سعر الفائدة للسندات أعلى من سعر الفائدة على القروض ، فيزداد الخلل وترتفع الأعباء الثابتة ولا تخرج هذه الوسيلة عن كونها معالجة الخطأ بخطأ ثان .
[ 4 ] ــ جدولة الديون على آجال طويلة وتحويل الفوائد المتراكمة إلى قروض ، وهذه الوسيلة كانت مطبقة فى الجاهلية قبل الإسلام ، فإذا تعسر المدين وتأخر عن السداد يقول له الدائن : “أتقضى أم تربى ؟ ” بمعنى زيادة الأجل مقابل زيادة الدين ، وهذا من الربا المحرم تحريماً قطعياً ، ومن أدلة تحريمه من الكتاب قول الله تبارك وتعالى :  وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ، وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون (البقرة : 279 ــ 280 ) ، ومن أدلة تحريمه من السنة قول الرسول ( ) فى خطبة الوداع : ” ألا إن كل ربا موضوع ، وربا الجاهلية موضوع كله ” ( البخارى ) .
ما سبق من الوسائل كان على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر ، والموضوع كبير ومتشعب ويحتاج إلى سعة فى الوقت والمكان والمقام ولكن سوف نعطى مزيداً من التفصيل عن وسيلة توريق الديون باعتبارها من السبل الشائعة فى هذا الوقت .
 ــ توريق الديون فى ميزان الفقه الإٍسلامى .
من الوسائل المطروحة والتى أخذت مجالها فى إصلاح الهياكل التمويلية هى استبدال الديون والقروض بأوراق مالية ـ سواء أسهم عادية أو أسهم ممتازة أو بواسطة سندات ، ويطلق على هذه الوسيلة التورق .
ويقوم التورق على استبدال أوراق تجارية أو ديون بأوراق مالية ويرى فريق من الفقهاء أن عليه مآخذ شرعية ، حيث أنه لا يعدو استبدال ورقة مالية بأخرى مالية ، أى استبدال المال بجنسه ويدخل فى نطاق ربا البيوع الذى نهى الرسول (  ) عنه ، فقد جاء فى الصحاح عن النبى (  ) أنه قال : ” الذهب بالذهب مثلاً بمثل ، والشعير بالشعير مثلاً بمثل ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يداً بيد ، وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يداً بيد ” ( البخارى ) .
والتورق لا يخلو عن مبادلة ديون وقروض بأسهم أو بسندات فإن اعتبر على أنهما متماثلين فإنما لا يتمان يداً بيد بل فيه تأجيل وهذا يدخل فى نطاق ربا النساء ، كما أنه يحدث فيهما تفاضل فى الزيادة فى الدين فى المتفقين جنساً كذهب بذهب ، أو شعير بشعير ويزيد أحد العوضين وعند التجانس يحرم الفضل والنساء .
وإذا اعتبر أنهما مختلفين ، فيرى جمهور الفقهاء أن هذا هو الربا الخفى ويقود إلى الربا الجلى ، يقول الفقهاء : ” كل بيع يتخذ ذريعة للربا الجاهلى يكون حراماً لما فيه من معنى الربا ( يرجع إلى الشيخ محمد أبو زهرة تحريم الربا ) .
تعقيب على التورق .
تحتاج مسألة التورق إلى تكييف فقهى دقيق من الفقهاء ورجال المعاملات المالية والتجارية ، والبحث عن مخرج لإبعاد شبهات ربا النساء وربا الفضل عنه ، وهذه المسألة ضرورية لحاجة الناس إليها فى هذا العصر ولاسيما انتشارها عند خصخصة الشركات لبيعها إلى الأفراد .
 ــ البديل الإسلامى لتوريق الديون .
ولحين حسم مسألة توريق الديون كوسيلة من وسائل إصلاح الهياكل المالية للشركات ، يكون أمامنا السبيل التالى :
 ــ زيادة رأس المال بإصدار أسهم عادية جديدة بضوابط شرعية منها تجنب الغبن الذى يقع على المساهمين القدامى من الجدد ، وعند المحاسبين ورجال الأعمال سبلاً شتى لذلك ، وتعتبر هذه العملية مستقلة بذاتها وهى جائزة شرعا ويرجع فى ذلك إلى فقه الشركات .
 ــ استخدام حصيلة البيع فى سداد الديون والقروض وما فى حكمها ، وهذه العملية جائزة شرعاً بشرط أن تكون مستقلة عن الأولى .
فقد ورد أن رجلاً قال للنبى (  ) : عندى جمع ( تمر ردىء ) وأريد جنيبا ( تمر جديد ) ، ولا يعطنى أحد من غير زيادة فقال النبى (  ) : ” بع الجمع بالدراهم ، واشتر بالدراهم جنيبا ” كما ورد أن بلالاً رضى الله عنه أتى بتمر جنيب إلى رسول الله (  ) ، فسأله : من أين ؟ قال بلال استبدلت تمرنا بهذا ، فقال (  ) : ” هذا ربا ، فبع التمر واشتر جنيبا ” .
وخلاص القول :
على مسألة توريق الديون لإصلاح الهياكل التمويلية أو نحو ذلك مآخذ شرعية ، والمنهج الإسلامى يتمثل فى الآتى :
 ــ زيادة رأس المال عن طريق إصدار أسهم جديدة واستخدام الحصيلة فى سداد الديون والقروض .
 ــ تجنب إصدار السندات أو جدولة الديون حيث أن هذا من الربا المحرم شرعاً .

والله يقول الحق وهو يهدى السبيل ، وهو أعلى وأعلم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى