تنمية بشرية

ما السبيل إلى التفكير الإبداعي؟؟

ما السبيل إلى التفكير الإبداعي؟؟

 

 

 

لما كان التفكير مطلباً أساسياً في تقدّم الإنسان وتطوّره منذ بدء الخليقة حتى نهايتها، كان لا بدّ من مواكبته لكل عصر . فبالتفكير نبتكر من أجل الحاضر والمستقبل.
وإذا ما تأملنا الثورة التقنية العلميّة في عصرنا الحالي، وفيما واكبها من حاجة ماسّة إلى مواصلة البحث والتقدّم في جميع المجالات، تحتّم علينا أن نفكّر جدياً في تطوير القدرات المبدعة عند الأفراد منذ المراحل المبكرة في حياتهم. وهذا الأمر يتطلب تطوير المناهج التعليمية وتحسينها باستمرار، وأن تتبنى المؤسسات التربوية تنمية مهارات التفكير وتحفيزها والارتقاء بها لدى جميع فئات المتعلمين، باعتبارها وسيلة لتحقيق غايات وأهداف ملحّة ، . كما أن التغيير السريع الذي يشهده العصر الحاضر ما هو إلا مقدمة لتطوّر أسرع وأشمل، ينتظر عالم المستقبل . حيث ستقوم الآلات والعقول الالكترونية بالأعمال الروتينية، وتترك للإنسان الأعمال الابتكارية والإبداعية. وهذا يتطلب منا أن نراجع أنفسنا، وأن نغير أسلوب تفكيرنا، بحيث يُؤهلنا إلى التعامل مع علوم المستقبل واكتشافاته وإبداعاته.
وبذلك يصبح التفكير الإبداعي مطلباً عامّاً لا خاصاً. بحيث يشارك فيه جميع الأفراد في مختلف المجالات، لا أفراد بعدد الأصابع فقط، ليتحوّل العالم كله إلى خلية نحل نشطة، يشارك فيها كلّ حسب دوره وقدراته الإبداعية.

 

 

 

 

 

لماذا التفكير الإبداعي؟

كانت الحاجة إلى التفكير الإبداعي ملحة في كل عصر من العصور الماضية.ولولا المبدعون لما أصبح لدينا هذا الكم الهائل من الاختراعات والاكتشافات، والإنجازات العلمية والأدبية والفنيّة التي نقشت أسماء مبدعيها في الذاكرة الإنسانية على مدى العصور.
وما أحوجنا في هذا العصر -عصر العلم والتكنولوجيا والعولمة وتفجّر المعلومات- إلى أن نواكب هذا التقدّم السريع بالمشاركة الفاعلة في المعرفة والتعلم والإنجاز، لنقدّم للعالم إبداعات خاصّة بنا، وناتجة عن أعظم ثروة نمتلكها ، وهي العقل. صحيح أن العقل هو هبة الله سبحانه لجميع خلقه من البشر، وهو الذي يُميزهم عن سائر المخلوقات،إلا أن الأحداث والمؤثرات النفسيّة والجسديّة التي تمرّ بالإنسان، والتي تسبّب له الحزن أو الألم النفسي والجسدي، هي التي تؤثر على العقل، وتقلل من قدراته وكفاءاته.
ما السبيل إلى التفكير الإبداعي؟

 

إذا تأملنا الوحي الإلاهي المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نجد الآيات الأولى التي نزلت ، (اقرأ باسم ربك الذي خلق(1) خلق الإنسان من علق (2) اقرأ وربك الأكرم (3) الذي علّم بالقلم (4) علم الإنسان ما لم يعلم (5) ) صدق الله العظيم ( آية 1-5 من سورة العلق).
” اقرأ ” ، تعني فكّر. فالقراءة لا تعني شيئاً إن لم تكن وسيلة للتفكير والفهم.
والقراءة هنا هي قراءة سمعيّة، تتم عن طريق حاسّة السمع. فالنبيّ محمّد أمّيّ، لا يعرف قراءة المادة المكتوبة. ولكنه قادر على القراءة السمعيّة التي تحوّلت بها الألفاظ والعبارات إلى قوالب صوتية وألفاظ مسموعة، يستحيل على غير الأذن أن تستعملها وتنقلها إلى مراكز الترجمة والتفسير في الدماغ. ثم تُشير الآية الثانية إلى موضوع خلق الإنسان، والذي يتضمن العقل والحواس، التي بها يستطيع الإنسان أن يتعلّم.
أما الآية الثالثة، فتُظهر الصفة الإلهيّة أي ” الأكرم” ، بخلقه الإنسان على أحسن صورة وأتمهّا .
أمّا ” الذي علّم بالقلم”، فهذه إشارة إلى أنّ الخالق العظيم قد طلب من جميع عباده تعلّم القراءة والكتابة. بينما تؤكد الآية الخامسة، “علّم الإنسان ما لم يعلم”، أن الله سبحانه قد منح الإنسان العقل والحواس ليتعلّم كلّ ما يريد تعلّمه.
وسواء اعتمدت القراءة على أي حاسة من الحواس الخمس، فإن الجهد الأكبر لعملية القراءة يقوم به العقل ، الذي هو مركز التفكير.

 

 

 

ومن أجل أن يكون التفكير أكثر عمقاً وفاعليه، دعت ويليامز (1987م) في كتابها “التعليم من أجل العقل ذي الجانبين” إلى العمل على تنشيط قوّة الجانب الأيمن من العقل لدى الطلبة، ليُحقّقوا التوازن في مهارات التفكير، وليُنشّطوا قدراتهم الإبداعيّة ، ومن الأنشطة التي يمكن أن يُوظَّف بها جانبي العقل، الأيمن والأيسر : التفكير البصري، والخيال، والمجاز ( التشبيه)، واستخدام جميع الحواس، والاستماع إلى الموسيقى، وإجراء التجارب المخبرية، والقيام بالرحلات الميدانية . وهذه الأنشطة مفيدة لجميع فئات المتعلمين وفي جميع المراحل الدراسية.
علما أن معظم المواد المدرسية وأساليب التعليم والتقييم تركّز على المواد والمعلومات المرتبطة بالجانب الأيسر ، وتهمل إلى حدّ كبير المواضيع المرتبطة بالجانب الأيمن، وهو الجانب الإبداعي.
فالأمة التي تريد أن نتنشئ جيلاً مُفكراً، عليها أن نتنشئ جيلاً قارئاً ومحللاً وناقداً منذ السنوات الأولى من دراسته.
ولعل من وسائل تحسين تفكير المتعلمين في المدرسة : تقديم فرص تعليمية تعلميّة أفضل : (تدربهم على استخدام مهارات التفكير المختلفة/ التحليل والمقارنة والتفسير والتقويم. / التعرف على برامج التفكير الأكثر فعاليّة…مع الأخذ بعين الاعتبار الاهتمام بجميع المتعلمين وليس الاقتصار على فئة قليلة منهم…).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى