تنمية بشرية

تجربتي مع الشبكات الاجتماعية.. كيف استطعت السيطرة على وقتي فيها؟!

إنها غيلان الوقت، أندية بأبواب للدخول فقط، ما إن تضع قدمك فيها حتى تجد عقلك مقيداً بسلسلة ذرعها سبعون ذراعاً! وتغرق فيها حتى تنسى كيف كان يومك رائعاً قبل تعرفك على تلك الحياة.

إن هذا الوصف -ولو كنت تسمعه كثيراً في حق الشبكات الاجتماعية-، إﻻ أنه أقرب إلى وصف نوادي المجون و المخدرات! وأنا لم آت بدعاً من الناس، فكلنا يعلم حقيقة هذا الوصف، وإنما يعرض مقالي بشكل واضح و مفصل ما قد يعرفه عقلك مجملاً، فإن المرء إذا ما أبصر أبعاد مشكلته سهل عليه تحديد خلاصه منها.
أصل المسألة

قد تكون الإجابة الأعم في مسألة إدمان الشبكات هي متابعة الأخبار، وقد تكون في التواصل مع أشخاص في محيطه عبر المحادثات بأنواعها، فقد أصبحت أرخص من المكالمات الهاتفية. كما أن هناك من يستخدمها للتعبير عما بداخله، بالإضافة إلى أسباب أخرى بالطبع!

هذه الأسباب في رأيي منطقية للغاية، بل إنها ليست مستحدثة في هذا الجيل حتى! فما مشاهدة التلفاز وقراءة الجرائد في حياة شخص من الجيل السابق إﻻ متابعة للأخبار. وكذلك، فإن المجلات والدوريات العلمية ما هي إﻻ متابعة للمجالات التي يهواها، وحتى البطاقات البريدية التي تحمل أحد المعالم السياحية، وفي الجهة الأخرى بضعة أسطر يكتبها المرء ثم يبعثها ﻷحبائه، ليست إﻻ صورة لمشاركة الناس لحظاتهم مع أحبابهم.

ولا أغفل ذكر الرسائل البريدية، فإن لها نصيب الأسد من عمليات التواصل بين الناس، ولقد تنوعت من الرسائل النصية إلى أشرطة الصوت أو الفيديو التي يسجلها المرء لنفسه ثم يبعثها لأهله وأصدقائه.

كيفية التعرف على القنوات الاجتماعية الأفضل لمجال عملك
هل حقاً نستطيع العيش بدون تلك الوسائل؟

هل نستطيع العيش بدون تلك الوسائل

أرأيت؟! إن الأمر يبدو وكأننا استبدلنا كل وسيلة للتواصل بنسخة أحدث منها فقط، وربما أسرع وأرخص، لكنها نفس وسائل الاتصال التي كانت في الأجيال السابقة. إذن، تستطيع الاستنتاج أن أحداً لا يستطيع عزل نفسه عن استخدام تلك الوسائل في حياته اليومية، أو يقول أنه يستطيع العيش بدونها كما عاش آباؤنا من قبل! لماذا؟!

إذا أدركت أنك بهذا الكلام كأنك تقول إنني أريد أن أعيش بمفردي في هذا العالم الواسع، و سأستطيع تدبر أمري بدونكم أيها البشر، لما أقدمت على هذا القول من الأساس، فضلاً عن عزل نفسك عن العالم الافتراضي. إنك بقولك هذا تساوي شخصاً في عام 1930 مثلاً يقول بأنه لن يشاهد التلفاز أو يستمع للراديو، ولن يستخدم البريد أو الهاتف أو التلجراف! ألست ترى أن ذلك الشخص مجنون أحمق؟!

إذن ما الفرق بيننا وبينهم؟ ما الذي منعهم من السقوط فرائسَ لذئب مواقع المدونات والشبكات الاجتماعية وغيرها؟ كيف نجحت الأجيال السابقة فيما فشل فيه جيل معه “أحدث” ما توصل إليه العلم من وسائل وأدوات رقمية؟!

الواقع أن الإجابة ربما تكمن في نفس كلمات السؤال! فالفرق بيننا وبينهم هو أننا نمتلك وسائل أحدث! فكر معي قليلاً على هذا النحو، سنأخذ مثالاً لشخص من عصر “ما قبل التكنولوجيا” لنرى كيف كان يقضي يومه، ثم نأتي بمثال لشخص من هذا الجيل، لنقارن بين ما يستخدمه إنسان هذا العصر مقارنة بإنسان من الجيل السابق، وبعدها ننظر إن كنا نستطيع الخروج بطريقة تنقذنا من براثن الإدمان السيئ لهذه الشبكات.

إذا نظرنا إلى شهر كامل من حياة صاحبنا الآتي من عصر ما قبل التكنولوجيا، و ليكن شهراً حافلاً في عام 1965 مثلاً، فسنجده في الغالب على النحو التالي:

#يستيقظ في الصباح للذهاب إلى عمله -قد يستمع للنشرة الصباحية أولاً-.

#يعود من عمله حاملاً جريدته المفضلة كل يوم، والتي يستغرق نحو ساعتين في قراءة ما يهمه فيها.

#يخصص وقتاً من يومه للرد على الرسائل البريدية.

#يستغرق نحو ساعتين مثلاً أسبوعياً ليتصل بأهله وأصدقائه الذين يسكنون في مدن مجاورة.

#ربما يبعث بعض البطاقات البريدية إلى أهله وأصدقائه، والتي تحمل صوراً لمعالم سياحية للمكان الذي زاره، مرة في الشهر مثلاً.
لغة الأرقام

لغة الأرقام

ولنتحدث بشكل أكثر دقة، فإن مركز بيو للأبحاث يذكر دراسة لأوقات الشعب الأمريكي بين عامي 1965-2011، فوجد أن عدد ساعات عمل الرجال في الوظائف قد انخفض بمقدار 15 ساعة أسبوعياً لتصبح 35 ساعة في عام 2011، مقارنة بالنساء اللاتي زاد عدد ساعات عملهن بنحو عشر ساعات لتصل إلى 25 ساعة في 2011.

لكن على أي حال، فحتى 35 ساعة عمل مدفوع في الأسبوع ﻻ تعد شيئاً مذكوراً، وبالتالي فإن الوقت المتاح خارج الوظيفة قد ازداد، ما يعني ساعاتٍ أكثرَ من الفراغ!

وبدلاً من قراءة الكتب أو مشاهدة التلفاز أو الجلوس مع الأصدقاء أو الرد على الرسائل أو تدوين الأفكار وتسجيلها، أصبحنا نفعل كل ذلك في وقت واحد! تخيل يوماً في حياة رجل منذ نصف قرن كان يمضيه متنقلاً بين تلك النشاطات ساعة فساعتين ثم نصف ساعة وهكذا، ثم قارنه بنفسك الآن وقد أصبحت تفعل كل ذلك مجتمعاً وأنت ﻻ تتحرك من مكانك!

كيف تستخدم الإعلام الاجتماعي؟
صورة أوضح

ربما تكون الصورة قد اتضحت الآن، وظهر أننا لم نغير في نشاطاتنا، وإنما في طريقة قضائنا لها! وللأسف فإن الطريقة التي نتبعها الآن عادت علينا بإثم أكبر من نفعها!

بكلمات أخرى، فإننا في هذا الجيل ﻻ نستطيع الاستغناء عن الشبكات الاجتماعية ومواقع التدوين والتواصل وغيرها. ولكي ﻻ يقول قائل إنه يستطيع التخلي عن تلك الوسائل إلى الأبد، فإنني أضيف إلى الفقرة السابقة “بعضها أو جميعها”، ﻷن الذي يتخلى عن تلك الوسائل، ﻻبد أنه قد ترك وسيلة أو أكثر موجود بها أكثر من يتواصل معهم.

أو أن من يتواصل معهم ﻻ يستخدمون تلك الوسائل، وبالتالي أستنتج أنه يتعامل مع كبار السن أو من يعيشون في مناطق منعزلة، أو في أحيان أخرى، هو ﻻ يملك وقتاً أصلاً لذلك، فهو لا يستخدم وسائل التواصل الحديثة وﻻ القديمة! وكل أولئك ليست لديهم مشكلتنا التي نعالجها الآن، وليسوا مقصدي من المقال.
إذاً، ما العمل؟!

أعرني انتباهك الآن يا صاحبي! وشمر عن ساعد الجِد، فقد زاد الأمر عن الحد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى