تنمية بشرية

الصبر كما لم تعرف من قبل

للدكتور اياد قنيبي :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أحياناً نعاني من مشكلة, لا نعلم كم تستمر وإلى أي مدىً ستتفاقم … يشرق في نفوسنا الأمل بزوالها… لكن ما نلبث أن يعترينا الخوف ويتراءى لنا شبح اليأس عندما نفكر في أن بلاءنا سيطول ويشتد.
نخاف حينئذ ! لأننا ننظر في جوانب أنفسنا وحناياها فلا نجد فيها ما يعول عليه أن يصبرنا إذا وصل البلاء إلى الدرجة المخوفة. نتعامل مع المسألة بطريقة رياضية … فإن كانت المصيبة مرضاً يخشى أن يؤدي إلى العمى مثلاً فإنا نعقد المعادلة التالية لتخيل المستقبل : أنا- بصر=إنسان تعيس
وإن كان ابنك في غرفة العناية المركزة بين الحياة والموت فالمعادلة :
الحياة – ابني = حزن مستمر … وهكذا
إننا ننسى في معادلتنا هذه عنصراً مهماً جداً وهو أن الصبر لن ينبع من جوانب نفسك الضعيفة عند حلول المصيبة أو اشتدادها …إنما هو ينزل من عند الله تعالى! المعين لمن استعان به.
الصبر ينزل من عند الله تماماً كما ينزل النصر … ينزل الصبر من عند الله لينصرك في معركتك ضد اليأس والحزن… و((إن ينصركم الله فلا غالب لكم))
لاحظ: كما أن الله تعالى قال: ((وما النصر إلا من عند الله)) فقد قال: ((واصبر وما صبرك إلا بالله)). فتركيب الكلمات متشابه.
إنها حقيقة مهمة جداً! الصبر ينزل من عند الله و كذلك الأمان و السكينة… والشواهد لذلك كثيرة كقوله تعالى : ((ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة)), وقوله تعالى: ((فأنزل السكينة عليهم)), وقوله تعالى حكاية عن السحرة الذين آمنوا بموسى عليه السلام وهم على وشك أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ويصلبوا: ((ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين (126) ))
ينزل الصبر كالمطر على القلوب المرتجفة الحرى فيسكنها ويبردها.
إنها ليست نفسك البشرية الضعيفة التي يعول عليها أن تختلق الصبر وتخوض المعركة! … إنه الله المعين الذي يثبت: ((يثبت الله الذين آمنوا ))… وبما أنه الله الذي يثبت فليس هناك بلاء أكبر من تثبيت الله.
إنه الله تعالى الذي يربط على القلوب المرتجفة التي كادت تنخلع من الصدر حزناً أو خوفاً من المجهول… ((وربطنا على قلوبهم))…وحينئذ فلا شيء يخيف إن كان الله هو المعين.
إذن فالصبر ينزل نزولا من عند الله. وبالتالي، فالمعادلة لم تعد بالجمود الذي كنا نظنه, بل أصبحت :
أنا – بصر+ صبر من الله =إنسان راضٍ.
الحياة- ابني+ سكينة من الله = رضا احتساب وانطلاقة جديدة
إن استعنت بالله فسينزل عليك الصبر بالمقدار المناسب ليطمئن قلبك, مهما كان حجم البلاء. قال رسول الله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي صححه الألباني: ((إن المعونة تأتي من الله على قدر المؤونة, وإن الصبر يأتي من الله على قدرالمصيبة )).
لاحظ ألفاظ الحديث: ((إن المعونة تأتي من الله على قدر المؤونة))…على قدر التكليف، ((وإن الصبر يأتي من الله على قدر المصيبة ))…الصبر يأتي من الله تعالى المعين، ليس من جوانب نفسك الضعيفة. بل من الله، وبأي مقدار؟ ((على قدر المصيبة))…بالمقدار المناسب.
فكل ما عليك فعله هو أن تتبرأ من حولك وقوتك، وتستعين بالله تعالى، وتصلح علاقتك به تعالى لتكسب معيته، وحينئذ فلا بلاء أكبر من إعانة الله الـمُعين.​

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى