اعداد محاسب

حاجة المحاسبة إلى نظرية علمية

إن أهمية المعلومات المحاسبية تتعاظم وتتزايد باستمرار. وبديهي أنه كلما تنوعت هذه المعلومات واتسعت (وهذا مرتبط باحتياجات المستخدمين) وكلما

كانت أكثر مصداقية وواقعية وموضوعية (وهذا مرتبط بمدى موضوعية المعارف المحاسبية وبمستوى نضجها وبمدى اتساقها مع بعضها البعض ومع الواقع)، كانت فائدتها أفضل. من هنا كان لا بد من تكامل المعارف المحاسبية استنادا إلى أسس علمية منهجية، عبر محاولات وضع نظرية للمحاسبة التمعن في المعارف المحاسبية المتداولة يشير إلى:
1. عدم وجود فهم محدد، شامل، واضح، ثابت ومنطقي لمفهوم المحاسبة والمفاهيم الأخرى التي تميز هذا المجال المعرفي عن غيره
2. تنوع ضوابط القياس المحاسبي وعدم ثباتها، ذلك لأنها وضعت وفق صيغ توافقية غير علمية.
لذلك فإن المحاسبة، كغيرها من مجالات المعرفة، تحتاج إلى استكمال تطوير معارفها بشكل علمي هادف، وتنظيمها وإعادة هيكلتها وتأصيلها علميا وتوحيدها. لتحقيق ذلك لا بد من معرفة كيف نشأت المعارف المحاسبية وتطورت وما العوامل التي تؤثر في تطورها. كما لا بد من معرفة مشكلات تكامل هذه المعارف في إطار معرفي فكري منطقي سليم متكامل ومتناسق، لتشكل بالتالي وحدة معرفية واحدة هي المعرفة المحاسبية. وهذا ما تسعى إليه تلك الجهود البحثية الموجهة نحو صياغة نظرية علمية للمحاسبة
إن المعرفة بطبيعتها دورية لا تتوقف عند حد. أي أنها دائما تتطوَّر وتتجدَّد عبر مجموعة عمليات يرافق كل منها مجموعة أنشطة:
1- عملية خلق المعرفة تتم عبر عدة أنشطة، منها: توليد المعرفة (ذاتيا)، حيازتها (الحصول عليها من مصدرها)، ومزاوجتها (ربطها بمعارف أخرى فتتولد معرفة جديدة).
2- عملية استدامة المعرفة تتم عبر عدة أنشطة: تعريفها (تحديدها بدقة)، تنظيمها (تنسيق محتوياتها)، تخزينها (توثيقها)، تجميعها (في حال كانت موزعة )، تحليلها (للوقوف بعمق على محتوياتها)، الخ.
3- عملية تقاسم المعرفة تتم عبر عدة أنشطة مثل: تشاركها، تواصلها، توزيعها، تعليمها ونقلها. يكون التقاسم من خلال المؤتمرات العلمية، التنسيق بين الجهات المهتمة، تعليمها في المؤسسات التعليمية، إعداد الكتب والمقالات العلمية ترجمتها إلى لغات أخرى الخ.
4- عملية تجديد المعرفة تتم عبر أنشطة مثل: تغييرها، تحسينها، توسيعها، تعميقها وتكييفها (هنا يأتي دور البحث العلمي عبر تناوله المعارف المتاحة لتحقيق تلك الغايات).
هذه العمليات والأنشطة لا يكفي أن تحدث بشكل عفوي تلقائي، استجابةً لما تفرضه الوقائع والأحداث والظروف المحيطة، لأنها بحاجة فائقة إلى أن تُدار بشكل واعٍ، علمي ومنظَّم، بغية تفعيلها للوصول إلى معارف صحيحة، منطقية، علمية.
من هنا فإن البحث في مسألة صياغة نظرية علمية للمحاسبة يأتي في إطار عملية علمية واعية ومنظمة هدفها تطوير المعارف المحاسبية وجمعها في إطار فكري معرفي متناسق ومتكامل لتكون معارف علمية صالحة للاستخدام بشكل أفضل في الممارسة العملية.
ظهرت الحاجة إلى تطوير نظرية للمحاسبة نتيجة للتطور المتزايد لاحتياجات المستخدمين إلى معلومات محاسبية فعَّالة تمكِّن من اتخاذ قرارات سليمة. فعالية المعلومات المحاسبية لا تتحقق إلا إذا كانت موضوعية. فالموضوعية تضمن عدم تدخُّل الإدارة وتحكُّم الاجتهادات الشخصية في عملية إعداد المعلومات وعرضها، وتضمن كذلك عدم وجود أخطاء تؤثر سلبا في فعالية المعلومات. وتعني أيضا انسجام المعلومات مع الواقع، أي أنها تصوره دون أي تشويه للحقائق. كل ذلك يعطي المعلومات المحاسبية خاصية الموثوقية. إن البحث عن أسس علمية منطقيَّة لإنتاج المعلومات، يدعم بشكل واسع الموضوعية المطلوبة، ويزيد من فعالية المعلومات المحاسبية.
إن توافر أساس علمي يقوم على الاستدلال المنطقي (Logical Reasoning) البعيد عن الذاتية والإجتهادات الشخصية، عند صياغة المفاهيم المحاسبية ومنظوماتها والبحث عن ضوابط للقياس والإفصاح، يضمن سلامة هذه المفاهيم وعدم تباينها، كما يضمن عدم تغيُّر مضامينها عبر الزمن، ويؤمن وحدتها وثباتها من الناحية العلمية، وبالتالي وحدة الممارسة العملية.
الواقع الحالي يقدم الدليل الواضح حول أهمية وضرورة اعتماد مثل هذه الأسس. فالمحاسبة حتى الآن لا يوجد مفهوم علمي واضح محدَّد لها. فكلٌّ يحدد مفهومها حسب رؤيته ومن منظوره الخاص؛ فمنهم من يعدها نشاطاً خدمياً، وآخر نظاما للمعلومات، وآخرون مجرد مراحل عمل محاسبي، وغيرهم مجرد مجموعة من الإجراءات والقواعد. كما أن البعض يُنكـِِر على المحاسبة أن تكون علماً، في حين يؤكد هذا المفهوم آخرون. أضف إلى ذلك فإن مفاهيم أخرى، متداولة في الممارسة العملية، غير محددّة المضمون من الناحية العلمية كالفرض والمبدأ والقاعدة وغير ذلك.
إن السبب في تنوع مفهوم المحاسبة يعود بشكل أساسي إلى عدم إتباع أساسٍ علمي منطقي موضوعي لتحديده، مستندٍ إلى منهجية علمية مناسبة، بدلاً من اعتماد أسسٍ مبنية على الملاحظات والتجارب الشخصية، وعلى قدرات وكفاءات المهتمين، ومصالح الفئات ذات التأثير في الممارسة المحاسبية.
إن عدم استخدام الأسس العلمية في عملية تحديد المفاهيم ومضامينها ومنظوماتها، يؤدي كذلك إلى ظهور مفاهيم غير واضحة المضمون، وغير ثابتة المحتوى، رغم استخدامها في الأديبات المحاسبية والممارسة العملية. وهذا يقف بالتأكيد عائقاً أمام الممارسة المحاسبية.
وتأتي ضرورات وضع النظرية أيضاً من أن المعرفة بفروعها كافة أصبحت، في عصر المعلوماتية، موردا هاما للمشروعات بأنواعها، يمكن الاستفادة منها لزيادة الثروة وتحقيق التفوُّق والرفاهية. والمحاسبة كونها أحد فروع المعرفة، يمكنها أن تسهم في تحقيق أهداف المستخدمين كافة على اختلاف فئاتهم عندما تهيئ لهم معلومات صحيحة، موثوقة موضوعية وقابلة للمقارنة. ولا شك أنه كلما تطورت المعارف المحاسبية استنادا إلى أسس علمية منطقية، قلّت احتمالات الاجتهاد والتقدير عند إجراء عمليات القياس وعرض المعلومات، وتحققت للمعلومات المحاسبية الخصائص المطلوبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى