اعداد محاسب

الافصاح المحاسبي والافصاح المالي

تعتبر المحاسبة بشكل عام لغة الاعمال التجارية التي تتعامل بها ويفهمها كل من يمارسها، كما يعتبر الإفصاح المحاسبي أساس أي سوق مالية والمفتاح السحري لنجاحه، فالإفصاح المحاسبي يحقق في حال توفره جواً من الثقة والأمان

بين المتعاملين والمتعاطين فمن خلال شفافية المعلومات والبيانات المفصح عنها تتمكن الجهات المستفيدة من اعتماد هذه البيانات والمعلومات إضافة الى معلومات اخرى تقررها تلك الجهات، وكذلك من خلال قيام جهات معنية بمراقبة البيانات والمعلومات التي تمثلها القوائم المالية وملاحقها الخاصة بنشاطات الوحدات الاقتصادية المتعاملة في السوق، تزداد هذه القناعة بأن تلك المعلومات هي عادلة وصحيحة وصادقة وشفافة وبالنتيجة يمكن اعتمادها من قبل أصحاب القرار، يضاف الى كل هذا أن ما تبثه هذه الوحدات الاقتصادية وما تنشره من معلومات من خلال وسائل الاعلام المختلفة وما يعلنه أيضاً مسؤولوها خلال تصريحاتهم وندواتهم ومقابلاتهم وكذلك من خلال عقد بعض الندوات والحلقات الدراسية التي يشاركون فيها، وبالتالي مطابقة كل ذلك مع البيانات والمعلومات الرسمية المفصح عنها بالقوائم المالية وملاحقها تعتبر من المصادر المهمة للمعلومات التي يتمكن من خلالها المستفيدين من اتخاذ القرار الرشيد بشأن الاستثمار في تلك الوحدة الاقتصادية من عدمه. ومن خلال ذلك أيضاً يمكن الإشراف على ماتعلنه هذه الوحدات عن طريق وسائل الإعلام المختلفة والتدخل في الاوقات المناسبة لإكتشاف أوإزالة عمليات الغش والتلاعب والنصب والاحتيال المحتمل حدوثها بشكل متعمد أو غيره التي قد تحدث وكذلك منع إعطاء أي معلومات مضللة وغير صحيحة للمستفيدين المختلفين من أصحاب القرار وخاصة المساهمين منهم.

يعرف الافصاح بشكل عام بأنه عرض وتقديم البيانات والمعلومات الخاصة بنشاطات وفعاليات الوحدة الاقتصادية الى الاطراف المستفيدة منها بصورة كاملة وملائمة وفي الوقت المناسب لغرض مساعدتهم على اتخاذ القرارات المناسبة وخاصة الاستثمارية منها. كما يعرف الافصاح على أنه نشر المعلومات الضرورية للفئات التي يحتاجها، وذلك لزيادة فاعلية العمليات التي يقوم بها السوق المالي، حيث إن الفئات المختلفة تحتاج للمعلومات لتقييم درجة المخاطرة التي تتعرض لها الشركات للوصول الى القرار الذي تستطيع من خلاله تحقيق أهدافها والتي تتناسب مع درجة المخاطرة التي ترغب بها .

كما عرف الافصاح “بأنه إظهار القوائم المالية لجميع المعلومات الاساسية التي تهتم بها الفئات الخارجية عن المشروع بحيث تفيدها في اتخاذ القرار الرشيد” .

كما يعني الافصاح أيضاً شمول التقارير المالية للوحدة الاقتصادية على جميع المعلومات والبيانات اللازمة والضرورية لإعطاء مستخدمي هذه التقارير صورة واضحة وصحيحة عن تلك الوحدة الاقتصادية وعن فعالياتها ونشاطاتها.

وقد عرف الافصاح أيضاًعلى أنه “الكشف عن المعلومات التي تهم المستثمرين وتتضمنها البيانات المالية وتقارير مفتشي الحسابات والتي تؤثر في سعر الورقة المالية، ويجب أن يكون الكشف عاماً وللجمهور وليس فقط لحملة الأوراق المالية والمستثمرين وذلك من خلال الصحف اليومية وبصورة دورية مرتبطة بالسنة المالية للجهة ذات العلاقة وبصورة فورية عند الحاجة أو عند حدوث معلومة جديدة” .

لقد أشار بعض الكتاب “بأن متطلبات عرض المعلومات في القوائم المالية وفقاً لمبادئ المحاسبة المتعارف عليها تقتضي توفير عنصر الافصاح المناسب في هذه القوائم، وذلك بشأن جميع الامور المادية الجوهرية.

يتضح من التعريفات السابقة أن الإفصاح المحاسبي بشكل عام والإفصاح المالي بشكل خاص، يعتبر من العناصر المهمة بل الرئيسية لقيام أي سوق مالية نشطة وكذلك أساساً لنجاح وإستمرارية مثل هذه السوق.

لذلك ونظراً لأهمية الإفصاح المحاسبي في صنع القرار الاستثماري في السوق المالية ، نلاحظ ازدياد اهتمام المعاهد والجمعيات العلمية والمهنية المتخصصة الملحوظ بمعايير الإفصاح والتأكيد على كمية ونوعية المعلومات الواجب توافرها، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، نلاحظ أن مجلس معايير المحاسبة المالية الامريكي كان قد حدد ضمن الاهداف المتوخاة من التقارير المالية المقدمة مايلي:

تقديم معلومات للمستثمرين الحاليين والمرتقبين وكذلك الدائنين ومستخدمي البيانات في تحديد وتوقيت التدفقات النقدية المتوقعة من التوزيعات أو الفوائد، والتدفقات الناتجة عن بيع أو استيراد أو استحقاق الاستثمارات المالية والقروض. وهذه التدفقات المتوقعة تتأثر بقدرة الشركات على خلق نقدية كافية لمواجهة الالتزامات في التوزيعات والفوائد وأقساط القروض وسدادها عند استحقاقها كما تتأثر أيضاً بتوقعات المستثمرين والدائنين بالمقدرة الربحية للشركة مما ينعكس على أسعار الاسهم ضمن الاسواق التي تتعامل معها.

لقد أخذ الاهتمام بموضوع الإفصاح بشكل عام بالازدياد وخاصة بعد أن كشفت الازمة المالية العالمية الراهنة التي عصفت بإقتصاديات الدول منذ بداية العقد الحالي وحتى الربع الاخير من العام 2010.

إن عدم دقة المعلومات والبيانات المفصح عنها كانت إحدى أهم الاسباب الرئيسية التي أدت أو ساهمت بشكل أو باَخرفي حدوث هذا الانهيارالمالي العالمي في اقتصاديات بلدان كبيرة لم يكن في تكهن أي شخص بأن تصل الامور الى هذا المستوى من السقوط وبهذه السرعة القياسية ، فقد انهارت مؤسسات مالية كبيرة مثل ليمان براذارز ومؤسسة إنروون العملاقة وشركة صناعة السيارات الشهيرة جي إم سي وغيرها العديد من الشركات والمؤسسات المالية والعقارية الكبيرة العاملة في السوق الامريكية والاوربية.

لقد بدأت قصة الانهيارالمالي الاخيرة في شباط عام 2007 عندما شهدت الولايات المتحدة الامريكية وبشكل ملحوظ ارتفاعاً كبيراً في عجز المقترضين عن دفع مستحقات قروض الرهن العقاري التي بذمتهم، مما أدى الى صعوبات مالية كبيرة أخذت تواجهها هذه المصارف والمؤسسات المالية المتخصصة بالرهن العقاري، وهوما اعتبر أول عملية إفلاس لمؤسسة مالية مصرفية متخصصة، ومما زاد الأمر سوءاً هو انتشار هذه المديونية بين العديد من المؤسسات الاستثمارية التي قامت بشراء مديونية المؤسسات الاقراضية لغرض توفير السيولة اللازمة لتسيير أعمالها اليومية (التعامل بالمشتقات). وفي حزيران من نفس السنة أخذ مصرف الاستثمار الامريكي المسمى (ستيرنس بيير) يعاني من خسائر بالغة نتيجة قروض الرهن العقاري المقدمة واعتبر أول بنك كبير في الولايات المتحدة الامريكية يعاني من تلك الخسائر وفي آب من العام 2007 قام البنك المركزي الاوربي بضخ ماقيمته 94.8 مليار يورو من السيولة النقدية لدعم السوق الاوربية ومنعها من مواجهة الصعوبات المالية التي أخذت تعصف ببعض مؤسساتها المالية، كما قامت الخزينة الفدرالية الامريكية من جانبها بضخ مامجموعه مبلغ 24 مليار دولارلنفس الغرض، كما بدأت العديد من البنوك الاخرى في عدة دول بالتدخل بهذا الشأن وبشكل واضح مثل بنك اليابان والبنك الوطني السويسري بهدف دعم الاقتصاد المحلي من الانهيار، وفي أيلول عام 2007 منح بنك إنكلترا قرضاً وبشكل مفاجئ الى أحد المصارف البريطانية العاملة (نورثرن روك ) لمساعدته في أزمته المالية لتجنب عملية الافلاس التي كانت تهدده، علماً بأن هذا البنك قد تم تأميمه فيما بعد لتفادي عملية إفلاسه المتوقعة، وفي تشرين الاول من نفس العام أعلن مصرف يو بي إس السويسري عن انخفاض قيمة موجوداته بمقدار 4 مليار فرنك سويسري، وفي كانون الاول من العام 2008 أعلنت الخزينة الفدرالية الامريكية عن تخفيض نسبة الفائدة الرئيسية بثلاثة أرباع النقطة (0.75) لتصل الى 3.50% وهوإجراء وصف بأنه ذو بعد استثنائي لمواجهة اَثار الازمة المالية الراهنة، وفي شهر اذار من العام 2008 أعلنت الخزينة الفدرالية الامريكية عن استعدادها لتقديم ما يصل الى 200 مليار دولار الى مجموعة معينة من البنوك الامريكية الكبرى، وفي نفس الشهر أعلن المصرف الامريكي الشهير(جيس موركن) عن شراء مصرف (ستيرن بيير) الذي كان يعاني من صعوبات مالية كبيرة، وقد حظيت هذه المبادرة بدعم مالي من قبل الخزينة الفدرالية الامريكية وغيرها من الحالات العديدة التي مارستها الدول المختلفة ممثلة ببنوكها المركزية أو بنوكها الاحتياطية وخزاناتها محاولة منها لإسناد الاقتصاد الوطني في مواجهة الازمة المالية العالمية التي عصفت بالعديد من اقتصاديات الدول، وأيضاً على سبيل المثال وليس الحصر قام (بنك الاحتياط الفدرالي الاسترالي) بتخفيض سعر الفائدة الرسمي لعدة مرات خلال العامين 2007 و 2008 وذلك لتوفير السيولة النقدية باسعار مخفضة وكذلك ضمنت الحكومة الاسترالية موجودات ورؤوس أموال أغلب البنوك والمؤسسات المالية الاسترالية العاملة لقاء مبالغ معينة ومحددة تدفع للحكومة لقاء هذا الضمان، مما أعطى دعماُ معنوياً وطنياُ وعالميأ لهذه المؤسسات في هذه المحنة العصيبة فقد صمدت بشكل جيد تجاه رياح الازمة المالية ولم تتأثر بشكل كبير قياساً بمثيلاتها في الدول الاوربية الاخرى. وكان لقوة ومتانة العملة الاسترالية الممثلة بالدولار الاسترالي قياساً ببقية العملات الاخرى الأثر البالغ في دعم الاقتصاد الاسترالي وبالتالي دعم قوة الدولار الاسترالي وانخفاض كلف المواد المستوردة، كما أن خطط الدولة في السيطرة على مستويات تسريح العمالة بشكل واضح من خلال التدخل السريع والمساعدة في إعطاء الدعم المادي والمعنوي، كل هذا عمل بشكل فعال على مقاومة ومواجهة محاولات الانهيار والافلاس التي أنهت أعمال العديد من المؤسسات الاقتصادية المختلفة في كثير من البلدان الاوربية خصوصاً.

بشكل عام فأن الافصاح المحاسبي يتعلق بالمعلومات والبيانات المتعلقة بنشاطات الوحدة الاقتصادية لفترات مختلفة قد تكون سابقة، حالية أومستقبلية تفيد المستخدم وتساعده بشكل خاص في إتخاذ قراره الاستثماري بشأن هذه الوحدة الاقتصادية أو لاجل مقارنتها بمثيلاتها العاملة في السوق، هذا الادلاء لايقتصر على المعلومات والبيانات المالية فقط بل يتعداه الى المجالات المحاسبية الاخرى لنشاطات الوحدة الاقتصادية الاجتماعية والبيئية وغيرها من المعلومات التي تعمل المؤسسة في نطاقه أو من خلاله تتأثر به وتؤثرعليه، وهذا ما يميز الافصاح المحاسبي بشكل عام عن الافصاح المالي الذي يقتصر دوره على الافصاح أوالادلاء أو تقديم المعلومات والبيانات المالية البحتة عن نشاطات الوحدة الاقتصادية المالية عن فترات زمنية معينة قد تكون سابقة أو راهنة بشكل عام ولكن هذا لايمنع من الادلاء ببعض المعلومات المالية التي تنوي أو تتمنى تحقيقها أوتبنيها أو تتوقعها في المستقبل والتي قد تعطي انطباعاً للمستفيدين بخصوص ما ستؤول اليه الامور في المرحلة القادمة، وكما تشير أغلب التقارير المالية والملاحق المرفقة بها بأن أغلب البيانات والمعلومات المالية المقدمة والمعلن عنها وخاصة ما تتضمنه التقارير السنوية عادة تكون بيانات ومعلومات تأريخية سابقة تمثل نشاطات وفعاليات قامت بها الوحدة الاقتصادية خلال الفترة الماضية الى ما قبل إعداد تلك التقارير السنوية، وعلى ضوئها يتمكن المستفيدون من اتخاذ قراراتهم الاستثمارية الرشيدة نظراً لما تحويه من معلومات وافية وجداول إيضاحية وتقارير تفصيلية وأشكال بيانية ونماذج وأشكال معينة تعطي فكرة واضحة ودقيقة عن النشاطات السابقة وكذلك سهولة مقارنتها بأرقام السنوات السابقة مدة خمس سنوات ماضية ( مثال على ذلك: أغلب البنوك الاسترالية إعتادت وعمدت على الافصاح وتقديم تفاصيل كثيرة جداً عن نشاطاتها وفعالياتها ومقارنة تلك المعلومات بمثيلاتها للسنوات الخمسة السابقة ) وهي بذلك توفر للمستفيدين مصادر معلوماتية كاملة وشاملة ووافية ودقيقة وهي من الامور المهمة التي تتطلبها عملية الافصاح المحاسبي والمالي لاي مؤسسة أو وحدة اقتصادية .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى