اعداد محاسب

الشروط اللازمه لاقامه سوق ماليه اسلاميه

الشروط الأساسية اللازمة لإقامة سوق مالية إسلامية

إذا ما اتضحت أهمية إقامة سوق مالية إسلامية بأقسامها المختلفة، والتي تشمل سوق النقد، وسوق الأوراق المالية، علاوة عى سوق السلع، وسواء كانت سوق إصدار أم تداول، وسواء كانت منظمة أم غير منظمة؛ فإن هذه الأنواع التي يمكن للسوق المالي الإسلامي الظهور من خلالها تمثل قيمة واجبة الإيجاد لاكتمال النظام المالي الإسلامي وتحقيق مقاصده، وأهداف المشاركين فيه ؛ وذلك لن يتحقق بمجرد اصدار قرار بإنشاء سوق مالية إسلامية؛ وإنما يجب تحقيق متطلبات النجاح متمثلة باستيفاء عدة أنواع من الشروط الأساسية الواجب توفرها في كافة أطراف السوق المالي الإسلامي، وبما يراعي خصوصية كل طرف، والمقصود بأطراف السوق:
1. السوق : إدارة وإصدار، وتداول.
2. الهيئات الإشرافية : الهيئة الشرعية، وهيئة الأوراق المالية.
3. الوسطاء الماليون : مصارف وشركات وساطة مالية إسلامية.
4. الأصول والأدوات والأوراق المالية المتداول بها في السوق.
5. الجهات المصدرة والمديرة لهذه الأصول والأدوات والأوراق المالية.
6. المتعاملون في السوق : المستثمرون والمتحوطون.
فإنه في جميع هذه الأطراف يجب أن تتحقق مجموعة من الشروط الكفيلة بنجاح السوق المالية الإسلامية بما يحقق المصداقية الشرعية، والربحية الاقتصادية، والكفاءة المهنية والفنية.
وفي سبيل تحقيق ذلك لابد من ادراك ضرورة تحقق مجموعات متعددة من الشروط :
المجموعة الأولى :
الشروط الاقتصادية.
المجموعة الثانية : الشروط القانونية.
وهاتين المجموعتين لن يتناولهما هذا البحث لاتصافهما بخصوصية كل دولة إسلامية على حدى، وعلى ذلك يمكن للباحثين إجراء دراسات متخصصة على طبيعة الشروط المطلوب تحققها في دولهم.
المجموعة الثالثة :
الشروط الشرعية.
المجموعة الرابعة : الشروط المهنية.
المجموعة الخامسة : الشروط الفنية.

وتهدف هذه الدراسة إلى التعريف بشروط المجموعات الثلاثة الأخيرة باعتبارها الهيكل الأساسي لشروط أي سوق مالية إسلامية في أي دولة إسلامية.
وفي سبيل إقامة سوق مالية إسلامية ينبغي التأكد من تحقق ثلاثة أنواع من الشروط :
النوع الأول : الشروط المهنية.
النوع الثاني : الشروط الفنية.
النوع الثالث : الشروط الشرعية.
وإن كان حق الشروط الشرعية أن يبدأ بها؛ فإن الدراسة رأت ارجائها تركيزا على النوعين الآخرين الذين بهما تتحقق الشروط الشرعية من جهة، وقلة عناية الدراسات بهما بل ندرتها في مقابل استفاضة في عرض الشروط الشرعية.
النوع الأول : الشروط المهنية
إذا ما تمت العودة إلى الأطراف المشاركة في السوق المالية الإسلامية السابق عرضهم ؛ فإن الباحث يدرك أن ليس كل أصل مالي، أو أداة، أو ورقة مالية صالحة للتعامل بها في السوق المالية الإسلامية ابتداءاً ؛ بل الواجب التحقق من كونها أدوات ملكية حقيقية، لا غش فيها، ولاخداع، تمثل قيمة عادلة، وهذه الأهداف لا تتحقق إلا بتوفر مجموعة من الشروط المهنية، وهي تلك الشروط المتعلقة بالأبعاد المحاسبية، والإدارة المالية للأصل المالي أو للأداة أو الورقة المالية المتداولة وللجهة الصادرة عنها.
ومن ثم ؛ فإن هذه الشروط يجب الوفاء بها من قبل الجهة المصدرة كالشركات مثلا، ومراعاة تحققها في الأدوات ذاتها، فعلى سبيل المثال : يجب عرض تقارير مالية ومحاسبية عن الصكوك المتداولة بانتظام، علاوة على التقارير المالية والمحاسبية للجهة المصدرة للصكوك.
وهذه الشروط يجب التأكد من تحققها من قبل جهتين إشرافيتين على الأقل :
الأولى : هيئة الرقابة الشرعية للجهة المصدرة، وهذا يتطلب أن يكون أعضاء هيئة الرقابة مؤهلين للقيام بهذه المهمة، لا مجرد مفتين للجهة المشرفين عليها.
الثانية : إدارة السوق المالية الإسلامية، والتي يجب عليها عدم السماح لجهة ما بالعمل من خلال السوق إلا بعد استيفائها للشروط المهنية.
ويمكن للدراسة بيان أهم الشروط المهنية اللازم تحققها سواء في الجهة المشاركة في السوق المالية الإسلامية، أو ما يتم تداوله من أدوات تابعة لها على النحو التالي :
1- تحديد الأدوات المالية الإسلامية المرخص إصدارها (الأسهم الجائزة شرعا، الصكوك الإسلامية، وحدات الصناديق الاستثمارية)، تحت اشراف هيئات رقابية إشرافية شرعية.
2- التأكد من التزام الأطراف المشاركين في السوق المالية بالمعايير الشرعية الصادرة عن هيئة المعايير، كلٌ بحسب موضوعه، وأن يتم الاستعانة في سبيل ذلك بالإفصاحات والتقارير، وتقارير المراجعين والمدققين الشرعيين الداخليين منهم، والخارجيين.
3- تحديد معيار كفاية رأس المال لتصكيك الصكوك والاستثمارات العقارية( )، وللأدوات المالية التي يكون لها جانب إئتماني. بحيث تقوم الجهات المالية الإشرافية بتحديده، وتقوم الجهات المصدرة بتطبيقه، فيجب الاتفاق على النسبة التي لا يجب أن تتجاوزها نسبة السيولة النقدية عن الأصول الحقيقية، إذ ينبغي تحديد نسب معينة وينبغي أن يخصص لكل قطاع نسبة خاصة به مراعاة إلى أن بعض المؤسسات المالية والجهات المصدرة لأدوات المالية يكون تعاملها بالنقود أكثر كالمصارف الإسلامية، وبعضها بالحقوق غير الملموسة أكثر كالأسماء التجارية.
4- أن يتم اعتماد القيمة العادلة أساسا لإصدار الأدوات والأوراق المالية؛ خاصة عند إصدار الأسهم الجديدة لزيادة رأس مال الشركة بحيث يأخذ بالاعتبار القيمة العادلة للأسهم القديمة، والقيمة السوقية سواء بعلاوة إصدار أو حسم إصدار مع الحرص على كون النسبة مقدرة تقديرا مناسبا.
5- أن يتم مراعاة خصوصية الأدوات المالية إصدارا وتداولا، ذلك لاحتمال إمكانية كون الإصدار والتداول متعلق بالنقود والديون، أو الذهب والفضة، فلكل منها أحكامها الخاصة. فإن كانت موجودات الأدوات المالية نقودًا محضة ‏يجب مراعاة أحكام الصرف عند تداولها، وإن كانت موجوداتها ديونًا محضة، فيجب مراعاة أحكام بيع الديون عند تداولها ( ).
6- عدم تداول الأدوات المالية إلا إذا كانت تمثل ملكية حقيقية للأصول المالية المعبرة عنها.
7- أن يتم تداول الأدوات المالية وفق قواعد أساليب الاستثمار والتمويل الإسلامي ، وبما يقلل المخاطر الناشئة عن المعاملات المالية ( )، وبما يمنع المضاربة غير المشروعة (المقامرة)، وهذا في إطار المشتقات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية حتى تكون هذه الأدوات أدوات ملكية المقصود منها التحوط وليس المضاربة والمقامرة، بالتالي يمنع اجراء التسويات النقدية لأن فيها اشارة ودلالة على أن المقصود مضاربة قمارية وليس المقصود من المشتقات التحوط ضد المخاطر المعتبرة في الاقتصاد أو التمويل الإسلامي.
8- أن يتم صياغة أنماط العلاقات بين المستثمرين والوسطاء الماليين على أساس الوكالة بأجر حال كون الاستثمار المالي مغطى، في حين يتم اعتماد أساليب التمويل المشروعة كأسلوب المشاركة أو المرابحة أو القرض الحسن، مع الأخذ بعين الاعتبار الأداة المالية الممولة والأصل المالي الممول حرصا على كون بعض الأدوات والأصول المالية لها أحكام خاصة كالذهب مثلا.
9- أن يتم وضع أسس مالية واضحة وصارمة تبين مقدار كفاية رأس المال للوسطاء الماليين المرخص لهم التعامل في السوق المالية ضمانا لحصول مقاصة مالية حقيقية في نهاية كل جلسة عمل بين الوسطاء وتحت إشراف غرفة المقاصة في السوق بحيث يتم تغطية أثمان العمليات التي تم إجراؤها من قبل العملاء من خلال وسطائهم.
10- أن يتم وضع الضوابط والقيود المالية التى تنظم سقوف تمويل الوسطاء الماليين لعملائهم في السوق.
11- أن يتم وضع الأسس المنظمة لعمليات التداول للأدوات المالية في السوق الإسلامية من قبل المخول لهم بالتعامل أنماط البيوع القصيرة كالبيع على المكشوف، أو الأجلة حال وضع صيغ إسلامية تغطي الحاجة للتعامل بهذه الأنماط.
12- شرط الإفصاح والشفافية
يعد شرط الإفصاح والشفافية بمثابة “العمود الفقري” الذي تقوم عليه السوق المالية نظرا لكونهما يوفران جوا من الثقة بين المتعاملين، حيث تؤكد كافة التشريعات المنظمة للأسواق المالية على وجوب الالتزام بتطبيق مبدأ الشفافية والإفصاح كمبدأ أساسي في عمل الأسواق، بالإضافة إلى اعتباره المعيار الأساسي المعتمد في تحديد درجة كفاءة السوق. فإذا كانا شرطا الشفافية والإفصاح يحتلان مكانة هامة في السوق المالية التقليدية، فمن باب أولى أن يحتلا مكانة أكثر أهمية في السوق المالية الإسلامية، وذلك لكونهما مطلبين شرعيين مستمدين من شروط العقود المالية. فلا تصح العقود إلا بانتفاء الجهالة، فشرطا الافصاح والشفافية كفيلان بنفي الجهالة عن العقود المالية المتداولة في السوق المالية الإسلامية المنشودة.
إن تحقيق شرط الإفصاح والشفافية يجب الوفاء به من جهات عدة في السوق المالية الإسلامية ؛ فإدارة السوق المالية الإسلامية ينبغي عليها الإفصاح عن مجمل الأعمال التي تقوم بها، وما تم داخلها خلال جلسات العمل، ولا يقتصر ذلك على إدارة السوق ؛ بل يجب على جميع الأطراف المشاركين في السوق الإفصاح عن أعمالهم بما تتطلبه طبيعة مشاركتهم في عمليات السوق.
ومن الملاحظ أن هناك تقارب وتداخل بين تعاريف الشفافية وتعاريف الافصاح، ولكن يمكن التمييز بينها في كون الافصاح هو الإعلان والإخبار عن كل عملية لها تأثير على الأصل المالي من جهة وعلى التعامل به من جهة أخرى، أما الشفافية فهي كيفية الافصاح أو الطريقة المثلى للإعلان أو الإفصاح.
أ‌-
شرط الإفصاح
إن المعنى العام لمصطلح الإفصاح يقصد به نشر المعلومات. أما تعاريفه فتتعدد وتتنوع، حيث يشير بعضها إلى أن الإفصاح يقوم بتوضيح وعرض المعلومات في صلب القوائم المالية بطريقة صادقة وعادلة. كما تم تعريفه بأنه نشر المعلومات الضرورية للفئات التي يحتاجونها، وذلك لزيادة فاعلية العمليات التي تقوم بها السوق المالية، حيث أن الفئات المختلفة تحتاج للمعلومات لتقييم درجة المخاطرة التي تتعرض لها الشركات للوصول إلى القرار الذي تستطيع من خلاله تحقيق أهدافها والتي تتناسب مع درجة المخاطرة التي ترغب بها. ( )
وبالتالي ينبغي على إدارة السوق أن تحدد نوع الإفصاح المطلوب من كونه افصاحا محاسبيا أو غير محاسبي، أو افصاحا عادلا، اختياريا أو اجباريا، وأن تقيم هذه الإفصاحات بين الحين والآخر، بحيث تقرر أن الافصاح الذي صدر هل هو افصاح كاف أو غير كاف، ولكي يتحقق الإفصاح الكافي في السوق المالية الإسلامية لابد من اتخاذ الاجراءات التالية:
‌أ) بيان نوعية الأعمال وحجم المخالفات، والعمليات الملغاة.
‌ب) قيام هيئة السوق بتوفير البيانات والمعلومات الكافية والمناسبة عن الأدوات المالية والجهات المصدرة لها، والتأكد من توفير البيانات والمعلومات الخاصة بالاكتتابات الجديدة، وسلامة هذه المعلومات وصحة الإجراءات التي اتبعت.( ) تحقيقا لمبادئ الموثوقية والاعتمادية وصدقية المعلومات.
‌ج) إلزام الشركات المدرجة في السوق المالية الإسلامية بالإفصاح عن طريق قوائم مالية معدة بناء على محاسبة مالية إسلامية، والتأكد من اعتمادها على معايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في أدائها لهذه القوائم، وذلك لكون المحاسبة المالية من منظور إسلامي يراعى فيها التمييز بين الحلال والحرام،( ) بما يزيد ثقة المتعاملين معها في سلامة أموالهم وتحقيق أرباح مباحة، وإذا لم تتوافر هذه الثقة فقد يحجم كثير من المسلمين عن التعامل مع هذه السوق. ولتعزيز هذه الثقة لابد من عدة وسائل أهمها توفير المعلومات التي يعتمد عليها مستخدمو القوائم المالية في تقييم التزام الشركات المدرجة من جهة، وإدارة السوق من جهة أخرى بأحكام الشريعة الإسلامية.
‌د) تحديد قاعدة عامة لتقويم الطرق المحاسبية البديلة والاختيار من بين الأساليب المتاحة للإفصاح. وطالما أن هناك مجالا للمفاضلة بين طرق المحاسبة وأساليب الإفصاح فإنه يجب اختيار طريقة المحاسبة أو أسلوب الإفصاح الذي يتيح أفضل المعلومات فائدة لمساعدة المستفيدين الخارجيين على اتخاذ قراراتهم. وعليه يجب تحديد وتعريف الخصائص التي تجعل هذه المعلومات مفيدة في اتخاذ القرارات.( )
‌ه)
التوقيت الملائم: يجب إلزام الشركات المدرج أوراقها في السوق بتقديم المعلومات في حينها، بحيث يجب إتاحة المعلومات لمن يستخدمها عندما يحتاجون إليها، وذلك لأن هذه المعلومات تفقد منفعتها إذا لم تكن متاحة عندما تدعو الحاجة إلى استخدامها، أو إذا تراخى تقديمها فترة طويلة بعد وقوع الأحداث التي تتعلق بها فتفقد فعالياتها في اتخاذ قرارات على أساسها. بالإضافة إلى تحديد الفترة الزمنية المثلى التي تعد عنها القوائم المالية، والحد الأدنى للفترة الزمنية التي تفصل بين تلك الفترة وتاريخ نشر القوائم المالية.( )
‌و)
الأهمية النسبية للمعلومات : إن مفهوم الأهمية النسبية للمعلومات مستمد من فقه الأولويات في الشريعة الإسلامية، فلقد اشتملت أصول الفقه الإسلامي ومبادئه على قواعد تنظم الأولويات في التطبيق والاعتبار والبيان، مثل تقسيم التشريعات إلى ضرورية، وحاجية، وتحسينية، وتعلق الطلب بالضروريات قبل الحاجيات أو التحسينات. ومقتضى هذا المفهوم أنه عند إعداد المعلومات المراد الإفصاح عنها يتعين مراعاة احتياجات من يستخدمونها من حيث أهمية المعلومات كيفا وكما. فإذا كانت المعلومات المراد تضمينها ضمن الإفصاح ليست على درجة واحدة من الأهمية بحسب تعلقها بأمر أساسي ضروري أو بأمر حاجي أو بأمر تحسيني، وجب تقديم الأهم على غيره كما أنه يسوغ التخفف من بعض المعلومات إذا كانت لا تتعلق بأمور أساسية. وإن الأهمية النسبية للمعلومات مرتبطة بمدى وكيفية الإفصاح، كما أن ذلك يرتبط بملائمة المعلومة وموثوقيتها، إذ أن المعلومة ذات الأهمية يتعين الإفصاح عنها، كما أن المعلومة التي لا تهم مستخدميها في اتخاذ قرارتهم لا يتعين الإفصاح عنها، لأن كثرة المعلومات غير المفيدة قد يؤدي إلى ارباك مستخدمي المعلومات، إذ أنه يحتاج إلى دراسة قدر كبير من البيانات التفصيلية لكي يستخرج منها المعلومات الأساسية التي يحتاجها. وبالتالي ينطوي تحديد الأهمية النسبية للمعلومة على تقديرات اجتهادية تعتمد على خصائص كمية وخصائص نوعية أو خليط منهما معا.( ) ويؤدي عدم احترام هذه الخاصية في الإفصاح إلى تحريف المعلومات المفصح عنها على نحو لا ينتفع بها من قبل من يستخدمونها لاتخاذ قراراتهم.
‌ز)
الاهتمام بالمعلومات غير المالية، حيث ينتج عن انحصار الإفصاح المحاسبي في البيانات المالية فقط، ضعف كفاءة سوق الأوراق المالية في مجال تسعير الأسهم حيث أن المعلومات المالية ما هي إلا جزء من المعلومات التي تؤثر على سوق المال الكفء.
‌ح) ومن أجل إتاحة المعلومات المفصح عنها للجميع، على المؤسسة المتعاملة في السوق نشر المعلومات المفصح عنها في وسائل الإعلام واسعة الانتشار.( )
‌ط) ضرورة وجود لجنة مراجعة في كل شركة مساهمة تتأكد من إلتزام الشركة بقواعد الإفصاح من عدمه فضلا عن التأكد من مدى قيام مراقبي الحسابات بواجباتهم بحياد تام وذلك باعتبارهم عين المساهمين بمجلس إدارة الشركة ( ).
ب‌-
شرط الشفافية
إن الإفصاح الذي تحدثنا عنه أعلاه إذا لم تتحقق فيه الشفافية لكن يكون كفئا ومفيدا للمستثمرين. أي أن الافصاح قد يكون شفافا أو غير شفاف، والشفافية هي الوضوح، وحتى يكون الإفصاح شفافا يجب أن تتحقق فيه مواصفات معينة تجعله يتصف بالشفافية التي يحتاجها المستثمرين في اتخاذ قراراتهم.
ويعرف البعض الشفافية على أنها الإفصاح المحاسبي الذي يتخطى مبادئ المحاسبة ذات القبول العام والمعايير والمتطلبات التشريعية في التقرير المالي لتزويد المستخدمين بالمعلومات التي يحتاجونها لاتخاذ قراراتهم. ( )بينما يعرفها آخرون بأنها تعني حصول المستخدم الخارجي على نفس المعلومات التي تكون لدى الإدارة وحصوله على تلك المعلومات يجعله قادرا على رقابة الإدارة.( ( كما عرفت على أنها الكشف عن المعلومات الداخلية وأي معلومات تؤثر على أسعار الأسهم والإفصاح عنها في توقيت واحد.( )
بيد أن هذه التعاريف لم توضح بعض الجزئيات التي تجعلنا نفرق بين الإفصاح والشفافية، وبالتالي يمكن أن نضع تعريفا للشفافية يوضح هذه الجزئيات فنقول أنها الإفصاح الكافي والدقيق المتجدد والصادق، ذي الصلة بالمعلومات النوعية والكمية التي تصل إلى مستخدميها في الوقت المناسب، وتمكنهم من القيام بالتقييم الدقيق لوضع المؤسسة وأدائها المالي، وللأنشطة ووضعية المخاطر وممارسات إدارة المخاطر.
ولتتحقق الشفافية المطلوبة في السوق المالية الإسلامية على إدارة السوق اتخاذ الإجراءات التي تجعل المعلومات المفصح عنها تمتاز بالخصائص التالية :
1.
موثوقية المعلومة : يجب أن تكون هذه المعلومات على درجة عالية من الأمانة والثقة أولا، ويتحقق ذلك من خلال الإظهار العادل للمعلومات بمعنى أن يكون هناك توافق وثيق بين تلك المعلومات وبين جوهر الواقع. وثانيا أن تتصف هذه المعلومات بالموضوعية أي أن النتائج التي يتوصل إليها شخص معين باستخدام أساليب معينة للقياس المحاسبي والإفصاح يستطيع أن يتوصل إليها شخص آخر مستقل عن الشخص الأول بتطبيق نفس الأساليب. ومن ثم فإن المعلومات الأمينة الموثوق بها هي التي يمكن التثبت منها وإقامة الدليل على صحتها. وثالثا أن تتصف بالحياد والتجرد عن الأهواء وعدم التحيز لفئة معينة على حساب أخرى، وذلك لكون المعلومات المتحيزة معلومات لا يمكن الوثوق بها. ( )
2.
ملائمة المعلومة : ويقصد بها وجود علاقة وثيقة بين المعلومات المفصح عنها والأغراض التي تعد من أجلها، ولتكون هذه المعلومات ملائمة ومفيدة يجب أن تكون ذات علاقة وثيقة باتخاذ المستخدمين لتلك المعلومات قراراتهم المتعلقة بالسوق المالية. وتتحقق الملاءمة بتوافر صفات معينة أهمها أن تتميز المعلومات بقدرتها على مساعدة متخذ القرار على التنبؤ بجدوى علاقته الحالية أو المرتقبة مع الشركة مع إمكانية التحقق من صحة هذه التنبؤات وتصحيحها.( )
3.
الاتساق : يقصد بالاتساق الثبات في تطبيق طرق وأساليب القياس والعرض والإفصاح من فترة إلى أخرى، وهذا لا يعني عدم تغيير هذه الطرق إذا دعت الضرورة لذلك، فمثلا يمكن لإدارة المؤسسة تغيير طرقة اهتلاك الموجودات من طريقة القسط الثابت إلى احدى الطرق الأخرى إذا كانت هناك مبررات لهذا التغيير، على أنه يجب الإفصاح بشكل كاف عن هذه التغييرات وآثارها.( )
4.
قابلية المعلومات للمقارنة : أي تمكين من يستخدم هذه المعلومات من التعرف على الأوجه الحقيقية للتشابه والاختلاف بين أداء المؤسسة نفسها فيما بين الفترات الزمنية المختلفة، وكذلك بين أداء المؤسسة ذاتها والمؤسسات الأخرى. ومن ثم فإن المعومات المفصح عنها أكثر فائدة كلما استخدمت أساليب مماثلة للقياس والإفصاح عن الأحداث المتشابهة بين المؤسسات وبين الفترات الزمنية المختلفة.( )
5.
قابلية المعلومات للفهم والاستيعاب : إن المنهج الإسلامي يدعو إلى مراعاة أحوال المخاطبين، وقد أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم، ولا يمكن الإستفادة من المعلومات المفصح عنها إلا إذا كانت مفهومة لمن يستخدمها، وتتوقف إمكانية فهم المعلومات على طبيعة البيانات التي تحتويها هذه المعلومات وكيفية عرضها من جهة، وعلى قدرات من يستخدمونها وثقافتهم من جهة أخرى. فعلى من يقومون بإعداد القوائم المالية مثلا أن يضعوا نصب أعينهم أن هذه القوائم لا توضع لمحاسبين بل توضع لمنفعة من يستخدمون تلك القوائم خارج المؤسسة، وربما كانوا يفتقرون تماما إلى مثل هذه المعرفة، ومن ثم يجب مراعاة قدرات مستخدمي القوائم المالية، وحدود هذه القدرات، وأخذها بعين الاعتبار عند تصميم نماذج القوائم المالية وعند صياغة الإيضاحات حولها.( )

13- أن يتم قياس كفاءة السوق بالاعتماد على مؤشرات مالية إسلامية لقياس نشاط السوق وكفاءته، دون السماح بتداول الأدوات المالية على أساس هذه المؤشرات لوجود قرارات من مجمع الفقه تمنع ذلك. ( )
14- أن يمنع على المستثمرين التعامل المباشر في السوق المالية الإسلامية إلا بعد حصولهم على تأهيل مناسب تقدره إدارة السوق كدورة تدريبية لمدة شهر، والسماح بالتعامل بعد مضي مدى ثلاثة أشهر من التسجيل كمراقب ؛ فإذا كان سائق السيارة لا يسمح له بالقيادة إلا بعد حصوله على رخصة ؛ فإن المستثمر بحاجة للتعرف على قواعد التعامل بالسوق نفيا للجهالة والخداع، ولترشيد قررات المستثمرين منعا من اتجاهات فوضوية في السوق نتيجة جهل المتعاملين به.
15- أن تكون الكوادر العاملة في المؤسسات ذات العلاقة بالسوق المالي الإسلامي بكافة مستوياته مؤهلة تأهيلا شرعيا ومهنيا بحيث يتم الإلتزام بقواعد العمل في السوق المالية الإسلامية اجراءا وقيماً، فأحيانا نتيجة ضعف القيم الأخلاقية والدينية يتم التعدي على الإجراءات وبالتالي تفقد العملية مشروعيتها وقيمتها الإسلامية، فلابد من التركيز على كون الموارد البشرية مؤهلة ومدربة شرعيا ومهنيا، عن طريق وضع معايير للتدريب والخبرة والكفاءة الإدارية وإجراءات العقوبة التأديبية لمن لا يستوفي منهم تلك المعايير.
16- النص على قابلية أنظمة السوق المالية الإسلامية وقوانينها وأنظمتها للتطور، فينبغي أن تقرر آلية لمراجعة القوانين والأنظمة بشكل دوري بما يكفل تعديل ما يحتاج إلى تعديل وإضافة ما يحتاج إلى إضافة وتفصيل ما يحتاج إلى تفصيل، وأن يجعل ذلك جزءا من استراتيجية إدارة السوق لضمان كون السوق مواكبة للتطورات الاقتصادية واستيعاب الحاجات المتطورة والمتنوعة.

النوع الثاني : الشروط الفنية
ويقصد بالشروط الفنية : الاجراءات أو المتطلبات المتعلقة بالقضايا الإدارية والتنظيمية لإنجاح اصدار وتداول الأصول المالية على أنواعها المختلفة في السوق المالية الإسلامية، بحيث تتكفل بمهمة تحقيق هذه الشروط الهيئات الإدارية المشرفة على السوق المالية في ظل الاقتصاد الاسلامي.
تكون هذه الشروط محل التزام من قبل المتعاملين بالسوق المالي الإسلامي من الجهات التي تصدر عنها الأدوات المالية الإسلامية التي سوف يتم تداولها سواء كانت دولة أو شركة أو مؤسسة أو بنك أو جهة وساطة مالية، بحيث تمنع الهيئات المشرفة على السوق من إدارة وهيئات إشراف من لم يستكمل هذه الشروط العمل في السوق المالية ؛ بل يمكن إيقاع عقوبات على المتهربين من ذلك.
وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى مجموعة الشروط التالية :
1- أن يتم وضع هيكل مؤسسي فعال ومتكامل: ويتمثل هذا الهيكل في وجود هيئة رسمية تنظم وتشرف بصورة كاملة على جميع نشاطات السوق المالية الإسلامية من حيث إدراج الأوراق المالية وشروط إصدارها وتداولها، وكذلك تأهيل الكوادر والأفراد العاملين في السوق، وهذا يعني أن هذه الجهة تقوم بكافة الأعمال التي تهدف إلى تطوير وتحقيق أساليب الحماية للمتعاملين في السوق من خلال منعها لكل التجاوزات، ومتابعة مدى الالتزام بالأنظمة واللوائح والقوانين التي تحكم عمل السوق والتي تضمن لها الاستقرار وتزيد ثقة المستثمرين فيها.
2- أن يتم تنظيم آليات الإعلان عن مدى التزام المتعاملين في السوق بالشروط المهنية سالفة الذكر والشروط الشرعية التي سيأتي بيانها.
3- إلزام الجهات الراغبة بإصدار أدوات أو أوراق مالية كالشركات بتقديم كافة المعلومات المطلوبة لاتخاذ القرار من قبل المستثمرين، بالإضافة إلى تقديم دراسة جدوى تفصيلية من مكاتب استشارية متخصصة لتقوم السوق بدراستها واعتمادها،* وفي هذا ضمان لغير المحترف أو المتخصص، إذ تستبعد المشروعات التي لا يتوقع لها النجاح ابتداءا.( )
4- إثبات ملكية الأصول والأدوات المالية المصدرة والمتداولة في السوق المالية الإسلامية إثباتا محدثا بشكل متتالي، اعتمادا على مؤسسات تشكل جزءا من السوق المالية الإسلامية ليست ذات صلة مباشرة بعمليات التداول، بحيث أن ما يحصل في عمليات التداول ينعكس قانونيا على سجلات وأوراق هذه المؤسسات وهي التي تصدر الوضع النهائي لملكية هذه الأدوات وهو ما تعارفته بعض الدول بهيئة الأوراق المالية، وعلى أن يتم نقل الملكيات من خلالها بشكل حقيقي وبحد أعلى يقدر بثلاثة أيام عمل، ويساعد في ذلك الآن التطور التكنولوجي ووسائل الإتصالات التي تسرع في تبادل الوثائق وما إلى ذلك.
5- أن يتم تداول الأدوات المالية الإسلامية عن طريق العقود والمعاملات الجائزة شرعا،( ) كالعقود الفورية وبطريقة يتم فيها اجتناب مفسدات العقود من مثل الربا أو الخداع أو الغرر أو الغبن أو التدليس أو غير ذلك.
6- عدم السماح بعمليات تداول الأدوات المالية الإسلامية بمحددات العرض والطلب المصطنعة، والتي تسمى بالعروض الوهمية في السوق المالية التقليدية، حيث يعمد كبار الممولين إلى طرح مجموعة من الأدوات المالية من أسهم أو سندات قروض، فيهبط سعرها لكثرة العرض، فيلجأ صغار حملة هذه الأدوات إلى بيعها بسعر أقل خشية هبوط سعرها أكثر من ذلك وزيادة خسارتهم، فيهبط سعرها مجدداً بزيادة عرضها، فيعود كبار الممولين إلى شراء هذه الأدوات بسعر أقل بغية رفع سعرها بكثرة الطلب، وينتهي الأمر بتحقيق مكاسب للكبار وإلحاق خسائر فادحة بالكثرة الغالبة، وهم صغار حملة الأدوات المالية نتيجة خداعهم بطرح غير حقيقي لأوراق مماثلة. ويجري مثل ذلك أيضاً في سوق البضائع.( ) وعليه يجب على إدارة السوق المالية الإسلامية الحد من هذه العروض عن طريق فرض العقوبات الخاصة بالتورط بإحدى محددات العرض والطلب المصطنعة بحيث يتم وضع معايير للكشف عن ذلك من مثل : أن يتم البيع وإعادة الشراء أو العكس خلال جلسة عمل واحدة مستغلين حصول أوامر البيع والشراء بأوامر حاسوبية مرمزة يصعب على الكثيرين تمييز مصدرها.
7- أن يتم وضع ضوابط لعمليات البيع وإعادة الشراء أو العكس من الجهة ذاتها بحصول فاصل زمني يقاس بجلسات العمل مع الأخذ بالاعتبار حجم العمليات قياسا إلى حجم تداول الأداة المالية أو الورقة ذاتها، وقياسا إلى مجمل رأس مال هذه الأداة.
8- يجب أن يتوفر في السوق المالية الإسلامية هيئة رقابة شرعية تضم في أعضائها فقهاء وخبراء على قدر عالي من التأهيل العلمي والشرعي والمحاسبي مما يميزهم بقدرتهم على التعامل مع القضايا المالية والأسواق المالية، وعليها أن تقوم بمراجعة دورية وتصدر تقارير، ثم ينبغي التأكيد على أن كل شركة يجب أن يكون لها هيئتها الخاصة بها لمتابعة أعمالها اليومية وتقوم هذه الهيئة بإصدار تقارير. ويجب أن يكون لهذه الهيئات مجتمعة صلاحيات عالية وكبيرة حتى لا تكون خاضعة لإدارة السوق أو الشركات.
9- أن تضع إدارة السوق شروط ومتطلبات الجهات والأدوات والأوراق المالية التي يسمح لها التعامل في السوق المالية الإسلامية إما إصدارا أو وساطة أو غير ذلك. وتعد هذه الشروط والمتطلبات لازمة التنفيذ اعتمادا على قواعد السياسة الشرعية ورعاية المصالح العامة وهي قواعد مقررة في الشريعة الإسلامية.
10- أن يتم تداول الأدوات المالية الإسلامية في السوق بواسطة وسطاء مرخصين بهذا العمل، لما يحققه هؤلاء الوسطاء من أطراف ضامنين لإتمام العمليات وعدم ضياع الحقوق. وتسجل أسماؤهم وعناوينهم وجميع الأحكام التي تتعلق بهم في سجل المرخصين والمعتمدين ويحفظ لدى هيئة السوق ويكون متاحا لإطلاع الجمهور.( )
11- طبيعة العلاقة بين المتعاملين داخل السوق مع الوسطاء الماليين يمكن أن تأخذ عدة أشكال (عقود وكالة، عقود جعالة، عقود اجارة)، وفي إطار سوق إسلامية يفضل عدم الإلزام بنوع عقدي واحد في ضوء أن الفقه الإسلامي يتيح عدة خيارات، فيترك للمتعاملين أن يحددوا طبيعة العلاقة مع الوسطاء الماليين، هل هي على أساس الوكالة، الجعالة، أو على أساس التمويل. ( )
12- عدم تقدير عمولة الوسطاء وتحديدها من قبل الجهات المشرفة على السوق، والواجب أن يترك تقدير ذلك إلى الوسطاء أنفسهم، ما التزموا في ذلك بأخذ الأجرة المعتادة، أما إذا امتنع الوسطاء عن تقديم خدماتهم إلا بأجرة مرتفعة زائدة على الأجرة المعتادة، ففي هذه الحالة يكون لإدارة السوق تحديد العمولة لما في ذلك من المصلحة، وذلك لكون الأصل في الشريعة هو عدم التسعير إلا إذا اقتضت المصلحة ذلك.( ) ويمكن لإدارة السوق وضع حدود دنيا وعليا للعمولات المتقاضاة منعا للاستغلال، وفكرة وجود حد أعلى وحد أدنى تترك مجال للمنافسة بحيث يتم تقدير هذه العمولات وحدودها ونسبها بشكل يعكس كلفة التشغيل مع تحقيق مستويات ربحية معقولة، وهذا في إطار السوق المنظم، في حين يترك تقدير العمولات للتفاوض في السوق غير المنظم، وهي وإن كانت أقل عادة مما يؤخذ في السوق المنظم إلا أنها تكون مجزية بالنظر إلى حجم الصفقات الكبير.
13- تحديد الشروط الواجب توفرها لاعتماد الوسطاء في السوق ومراقبة تحقق هذه الشروط طول فترة الترخيص، ومن أهمها تحديد نوعية الشركة طالبة الترخيص للقيام بدور الوسيط، توافر الملاءة المالية. وفي اللحظة التي يختل فيها أي شرط من هذه الشروط يسحب ترخيصه للعمل.
14- وضع رقابة شرعية ومهنية على الوسطاء لضمان حماية حقوق المتعاملين في السوق المالية الإسلامية ولمتطلبات المصلحة العامة، وذلك من خلال الاطلاع على السجلات المحاسبية للوسطاء والقيام بالتفتيش بصورة دورية أو عند الضرورة. بالإضافة إلى فرض عقوبات صارمة على مخالفة قواعد السلوك المهني الأخلاقي، كإساءة التصرف بأموالهم بما في ذلك اساءة توظيفها أو استخدامها، التأثير سلبا على المنافسة وذلك بالتلاعب بنسب العمولات أو ببدل الخدمات التي يتقاضاها أي منهما من العملاء أو الحد من الخدمات المقدمة لهم. ( ) والحرص على أدائهم أعمالهم بأمأنة وإخلاص لصالح عملائهم وبشكل يؤدي إلى تعظيم مصالحهم وتحقيق أهدافهم الاستثمارية دون تمييز بينهم أو تحميلهم عمولات وبدل خدمات مبالغا فيها أو ضمان أرباح معينة لهم أو وعدهم بها أو ممارسة أي من أساليب الغش والخداع معهم.
15- إلزام الشركات بعدد معين من المحللين الماليين المتصفين بالخبرة والمهارة لمقابلة حاجة المستثمرين إلى معلومات أفضل.
16- شرط الحوكمة والضبط
إن تحقيق شرط الحوكمة والضبط مطلوب من عدة جهات، فهو مطلوب من إدارة السوق المالية الإسلامية عن مجمل الأعمال التي تقوم بها، ومن الشركات وكبار المتداولين والمتعاملين، ومن شركات الوساطة المالية، أي من كل ذوي العلاقة بالسوق المالية الإسلامية وعليهم أن يلتزموا جميعا به كل في حدود تخصصه.
أ‌-
شرط الحوكمة
ويقصد بالحوكمة “مجموعة الآليات والإجراءات والقوانين والنظم والقرارات التي تضمن كل من الإنضباط والشفافية والعدالة، وبالتالي تهدف الحوكمة إلى تحقيق الجودة والتميز في الأداء عن طريق تفعيل تصرفات إدارة الوحدة الاقتصادية فيما يتعلق باستغلال الموارد الاقتصادية المتاحة لديها بما يحقق أفضل منافع ممكنة لكافة الأطراف ذوي المصلحة في المجتمع ككل”.( ) وتسعى بذلك حوكمة الوحدة الاقتصادية نحو منع التلاعب والتحريف والخداع وتخفيض الأثر السلبي لظاهرة عدم تماثل المعلومات من خلال آليات إحكام الرقابة وتحقيق مصالح كافة الأطراف، ويتحقق ذلك من خلال قدرتها على وضع الإطار القانوني والنظامي الملائم الذي يضمن تحقق المنفعة لكافة الأطراف ذات العلاقة بالشركة أو المؤسسة.
وبالتالي يتوجب لتحقق شرط الحوكمة وضع إطار تنظيمي يتضمن بوضوح المبادئ والمثل العليا التي تتبعها الشركة في معاملاتها الداخلية والخارجية، وذلك من خلال ما يلي:
‌أ) ترشيد ممارسات المديرين ومجلس إدارة الشركة أو المؤسسة، من خلال وضع نظام داخلي خاص يتم مراجعته بشكل دوري، تحدد بموجبه بشكل مفصل مهام ومسؤوليات مجلس الإدارة وصلاحياته.( )
‌ب) ترشيد حقوق المساهمين، وذلك باتخاذ الإجراءات المناسبة لضمان حصول المساهمين على حقوقهم بما يحقق العدالة والمساواة دون تمييز، كحق المشاركة والتصويت في اجتماعات الهيئة العامة للشركة أو المؤسسة أصالة أو بوكالة بعدد أصوات يساوي عدد الأسهم التي يملكها المساهم، وحق أولوية الاكتتاب في أية إصدارات جديدة من الأسهم للشركة قبل طرحها للمستثمرين الآخرين. ( )
‌ج) ترشيد ممارسات المحاسبين ومدققي الحسابات وما يقوموا به من أعمال لإظهار المراكز المالية ونتيجة نشاط المؤسسة وذلك من خلال تحديد آليات وضوابط اختيار وتغيير مراقب الحسابات بصفة دورية.( )
أ‌-
شرط الضبط
ونقصد بشرط الضبط هو ضمان قيام المعهود إليهم بشؤون الضبط والعاملين في السوق المالية الإسلامية، والمرتبطين بها بأية صفة وظيفية هامة، بأداء ما أسند إليهم من الأدوار بفاعلية، وعلى نهج يتسق مع الشريعة الإسلامية .( )
ويرتبط شرط الضبط بعدة جوانب، منها ما يتعلق بالمسؤولية الاجتماعية، ومنها ما يتعلق بأخلاق العمل وثقافته، ومنها ما يتعلق بمختلف الأدوار المنوطة بالأطراف الأخرى التي تضطلع بدور وظيفي يتصل بأعمال السوق المالية الإسلامية. وهذه الأدوار تؤثر على النهج الذي تسلكه السوق المالية الإسلامية في صياغة وتنفيذ ومراقبة استراتيجيات عملها، وسياساتها، وعملياتها، وأنظمتها الرقابية.
ولكي يكون هيكل الضبط فاعلا تحتاج إدارة السوق إلى تحديد الخصائص المميزة لنموذج أعمالها، وأهمها ما يلي:
1)
الإلتزام الشرعي : إن الضبط في السوق المالية الإسلامية يتجاوز بكثير حدود “الحوكمة الرشيدة” لدى المؤسسات التقليدية، نظرا لما أولى من أبعاد اجتماعية ودينية أيضا. وفي حقيقة الأمر فإن وجود السوق المالية الإسلامية يعود أصلا إلى قدرتها على أداء أنشطتها التجارية والمالية وفق قواعد الشريعة الإسلامية. والسوق المالية الإسلامية تنشأ من أجل مساعدة المستثمرين على توظيف أموالهم بصيغ مفيدة وموائمة للشريعة الإسلامية. وقرار الاستثمار لدى سوق مالية إسلامية ما أو التعامل معها دون غيرها، يتم التوصل إليه عبر تقييم مدى قدرة تلك السوق على إخضاع عملياتها بدرجة صارمة لضوابط الشريعة الإسلامية. وفي غياب ذلك تغيب الثقة في السوق المالية الإسلامية. لذلك ينبغي أن يكون لهذه الأخيرة الآليات والهياكل الفاعلة التي تمكنها من إخضاع معاملاتها المالية وغير المالية للشريعة الإسلامية.( )
2)
تعزيز الثقة : إن صناعة الخدمات المالية (تقليدية كانت أو اسلامية) مجال تعتبر فيه الثقة عنصرا أساسيا. فالثقة هي حجر الزاوية لنشاط السوق المالية الإسلامية. إن الممارسة السليمة للضبط تؤدي إلى تعزيز ثقة الجمهور، لذا ينبغي التنبه إلى ذلك من قبل المعهود إليهم بشؤون الضبط، والقادرين على التأثير عليهم. وهذا لا يتسنى بغير العديد من الإجراءات المهمة ، منها وجود هيكل للضبط يمتاز بالشفافية.
3)
المسؤولية الإجتماعية : تسعى هياكل الضبط، إلى أقصى درجة ممكنة، بين مصالح الأطراف ذات العلاقة، ومصالح المعهود إليهم بشؤون الضبط، ومصالح المجتمع. ومبادئ الشريعة الإسلامية تحقق التوازن بين مصالح الفرد ومصالح المجتمع الذي ينتمي إليه. وقد أنشأت السوق المالية الإسلامية كي تساعد على استخدام الثروة والموارد المالية بصيغة تفيد المستثمرين والمجتمع بأسره.
4) قواعد السلوك وأخلاقيات العمل وثقافته: ينبغي على السوق المالية الإسلامية تبني سياسات واجراءات وممارسات موائمة للشريعة الإسلامية، لتكريس الإلتزام بالقواعد الأخلاقية السليمة، والسلوك المستشعر للمسؤولية لدى أعضاء مجلس الإدارة، وأعضاء هيئة الرقابة الشرعية والإدارة والعاملين في السوق.
5) ينبغي أن تضع إدارة السوق آلية فاعلة لضمان ومراقبة الإلتزام بالضوابط والشروط الموضوعة من طرفها لضمان تحقيق أهدافها.
إلا أنه لا يمكن حصر هذه الشروط في النقاط المذكورة أعلاه فقط، بل يمكن أن تضع إدارة السوق المالية الإسلامية ما تراه مناسبا من القيود الإدارية والفنية مراعاة للصالح العام.
النوع الثالث:
الشروط الشرعية
إن السوق المالية الإسلامية يجب أن تتحقق فيها مجموعة من الشروط الشرعية، وفق منهج يضمن لها أن تلبي احتياجات حقيقية لاقتصاديات الدول الإسلامية، لا مجرد هيكل يمثل صدى للنموذج الغربي لأسواقهم المالية، وعنينا بوصفنا لها بأنها اسلامية ضرورة التزامها المنهج الشرعي في التعامل، إلا أن مجرد التزامها بهذا المنهج وحده لن يضمن لها أن تؤدي دورها بالكفاءة المطلوبة. ولذلك يجب إقرار الخطط اللازمة من أجل ترقية الأداء واصطفاء الهياكل وتطوير الإدارة والذي التمسناه من خلال عرضنا للشروط المهنية والفنية، فهذا أيضا مؤداه تحقيق قاعدة الإتقان المطلوبة شرعا.
تنطلق الدراسة في تحديد الشروط الشرعية لإنشاء السوق المالية الإسلامية من أن الأصل في المعاملات الإباحة إلا ما ثبت اشتماله على مفسد من المفسدات التي حرمتها الشريعة، وبالتالي يفترض من أجل إقامة سوق مالية إسلامية أن تتحقق فيها الشروط التالية :
1-
إعلان التزامها بالشريعة الإسلامية نصوصا ومقاصدا وأحكاما : وذلك من خلال مراعاة تطبيق قواعد الشريعة الإسلامية وأصولها وأحكامها التي قررها علماء التشريع الإسلامي في إنشاء السوق المالية الإسلامية، وقواعد عملها والإصدارات والتداولات التي تتم فيها، بحيث يتم الحكم على هذه السوق وما يتم داخلها بأنه متوافق مع الشريعة الإسلامية ؛ إذ إن الالتزام بالشريعة ليس مجرد شكليات لا قيمة مضافة من ورائها ؛ بل أحكام لها قيم ومبادئ مختلفة عن السوق التقليدية، فالسوق الإسلامية وإن كانت حرة من حيث إفساحها المجال للمتعاملين بالتعامل كيفما شاؤوا لكنها تمنع ما يؤول إلى توزيع غير عادل للثروة نتيجة الاحتكار أو الاستغلال أو إساءة الائتمان . ويمكن أن نشير أن هذا الشرط يتحقق من خلال الشروط الفنية للسوق المالية الإسلامية والتي تنص على وجود هيئة رقابة عامة للسوق المالية الإسلامية، وهيئات رقابة شرعية للشركات المدرجة والأصول المالية التي يتم إدراجها وتداولها، بحيث تقوم تلك الهيئات العامة أو الهيئات الخاصة بتدقيق أعمال السوق والأصول المالية تدقيقا ينبئ عن مدى التزامها بأحكام الشريعة الإسلامية.
2-
الإباحة الشرعية : أي أن تكون الأدوات المالية في السوق المالية الإسلامية (أسهم، صكوك، أذونات، سلع إذا كانت بورصة سلع، إلى غير ذلك) متوافقة مع الشريعة الإسلامية إصدارا وتداولا.
3-
تكافؤ أطراف العقد ؛ فإن أي عقد حتى يكون صحيحاً ومنتجاً ومحققاً لغاياته الشرعية والاقتصادية يجب أن يكون قائم على قاعدة التكافؤ بين أطراف العقد بمعنى أنه لا يجب أن تميل اختصاصات والتزامات العقد لصالح طرف على حساب طرف آخر، فإذا كانت العقود تجري بهذه الطريقة (الميلان وعدم التكافؤ) هذا يؤدي إلى وجود ظلم وأكل لأموال الناس بالباطل من الناحية الشرعية، ومن الناحية الاقتصادية يِؤدي إلى استغلال واستنزاف الموارد واحتكارها. وبالتالي ينبغي في سوق مالية إسلامية أن تكون قواعد العمل تكفل أن يكون تكافؤ أطراف العقد بقدر مناسب لتحقيق العدالة.
فمثلا إذا قام أحد أعضاء الإدارة في المؤسسة المدرجة في البورصة بدون إفصاح مسبق بالقيام بعمليات بيع أو شراء للسهم الذي هو عضو فيه سيؤدي إلى عدم تكافؤ بين طرفي العقد بالنسبة لغيره، حيث سيتخذ قراراته بناء على معلومات غير موجودة عند الآخرين، في حين إذا قام بعمليات بيع أو شراء للأسهم بعد قيامه بالإفصاح المناسب ، وبما يضمن أن المعلومات أصبحت متاحة للجميع ، صار التكافؤ متحقق، لأنه أعطى الطرف الآخر فرصة بأن يتخذ مركز مالي قبل أن يتخذ هو مركزه المالي، فلو قرر عضو مجلس إدارة يمتلك من شركة معينة 30% ، أن يبيع 10% من أسهمها ، فإنه يجب عليه الإعلان عن هذا الخبر قبل قيامه بالبيع، لأن قيامه ببيع 10% هذا معناه زيادة العرض وبالتالي انخفاض السعر، فعليه أن يوضح أسباب قرار بيعه لهذه النسبة لاحتمالية اخفائه معلومات سرية مفادها أن هناك خسارة أو أن هناك عجز مالي، فمثل هذا التصرف يحدث ارباك عند المتعاملين فيؤدي إلى عدم تكافؤ طرفي العقد، ولتفادي هذا كان عليه أن يعلن أن قراره ببيع 10% لم يأتي لأسباب سرية وإنما يعمل على بيان أسباب البيع، فبعد هذا الإعلان يكون حقق للأطراف الآخرين التكافؤ.
ويتحقق شرط تكافؤ أطراف العقد من خلال تحقق الشروط المتعلقة بمراقبة التداول والتي تعتبر أكثرها من ضمن الشروط الفنية المذكورة آنفا من مثل : الشفافية المطلوبة عند الإفصاح عن المعلومات وشرط الحوكمة والضبط.
4- خلو التعاملات من الربا الذي حرمته الشريعة : إذ لم يبلغ من تغليظ أمر أراد الإسلام إبطاله ما بلغ من تغليظ الربا لما فيه من أكل لأموال الناس بالباطل وما يسببه من أضرار جسيمة ومدمرة للمجتمع اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وهو سبب رئيسي لحدوث الأزمات والفساد المالي والإداري على مستوى محلي ودولي وأحد الأسباب الرئيسية لظاهرة التضخم، ويعرف الربا في الشرع على أنه “الزيادة في أشياء مخصوصة”( )، ومحرم بالكتاب والسنة والإجماع.( )
وللربا أنواع، فمنه ما هو بيع ومنه ما هو ليس ببيع، فالذي ليس ببيع هو ربا أهل الجاهلية أو ربا الديون -وهو الأكثر انتشارا في عصرنا هذا- ويعرف بأنه القرض المشروط فيه الأجل وزيادة مال على المستقرض. أما ربا البيوع أو ربا المعاملات هو الذي يكون في الأعيان الربوية وقد اختلف الفقهاء في عدد أصنافه ويشمل ربا الفضل وعرفه الحنفية بأنه: “زيادة عين مال شرطت في عقد البيع على المعيار الشرعي”، وربا النسيئة وهو “فضل الحلول على الأجل، وربا فضل العين على الدين في المكلين أو الموزونين عند اختلاف الجنس أو في غير المكيلين أو الموزونين عند اتحاد الجنس”.( )
ويشترط لخلو السوق المالية الإسلامية من الربا أن تتم عقود المبادلات أو أسواق العملات وفقا للأحكام والضوابط الشرعية المتعلقة بأحكام الصرف وأحكام القبض، بحيث تتم خالية من كل أنواع الربا وعلى هيئات الرقابة الشرعية التدقيق للتأكد من خلوها من الربا كأن يتم التقابض قبل تفرق العاقدين سواء أكان القبض حقيقيا أو حكميا، وأن يتم التماثل في البدلين اللذين هما من جنس واحد ولو كان أحدهما عملة ورقية والآخر عملة معدنية.( )
ويظهر ربا الديون في العقود العاجلة بالهامش الذي أساسه الإقتراض بفائدة سواء من طرف بنك ربوي أو السمسار، وفي ظل وجود بنوك إسلامية يمكن أن يتم الحصول على السيولة المطلوبة على أساس أحد طرق التمويل المشروعة كالمضاربة أو المشاركة أو غيرها.
5- يشترط في إصدار الأدوات المالية أن لا تكون لها خصائص مالية تؤدي إلى ضمان رأس المال أو ضمان قدر من الربح أو تقديمها عند التصفية أو عند توزيع الأرباح. ( )
6- موافقة الغرض من الأداة المالية وطريقة استغلالها واستثمارها مع الشريعة الإسلامية : وذلك من خلال تحديد الأغراض المسموح إصدار الأدوات المالية لأجلها، وتحديد مواصفات الغرض التي هي جزء من الشروط الشرعية، كأن يكون الغرض مباحا، وأن ينتج الغرض قيمة مضافة، وبالتالي لا تقبل السوق المالية الإسلامية إصدار صكوك وأدوات مالية لتغطية أغراض اقتصادية أو استثمارية غير محتاج لها أو غير مناسبة للوضع الحالي أو للمرحلة الاقتصادية الحالية، فإذا كانت مثلا دولة ما تمر بأزمة اقتصادية، فينبغي أن لا تقبل السوق إصدار صكوك لتمويل استيراد منتجات استهلاكية كمالية ليست ذات قيمة، في حين أن الدولة محتاجة لدعم قطاع الصناعة والقطاع العقاري وما إلى ذلك، لأن الغرض قد يتغير في لحظة معينة، ففي دولة اقتصادية منتعشة وقوية لا مانع من استيراد المسليات والمرفهات وما إلى ذلك، لكن في ظل دولة اقتصادية لها مشكلة في دفع الرواتب لا نصدر أدوات مالية وصكوك تغطي هذا القطاع الكمالي، وهنا يأتي دور الشروط المهنية والفنية والرقابة والتدقيق الشرعي وتحقيق الكفاءة الاقتصادية، لأنه يجب تخصيص الموارد للأكفأ.
7- الخلو من الغرر، والغرر اصطلاحاً “هو ما كان مستور العاقبة، أي مجهول العاقبة، وبعبارة أخرى: ما كان على خطر الوجود والعدم، أو الحصول وعدمه”.( ) وهو عند أبو یعلى: “ما تردد بین أمرین لیس أحدهما أظهر”، وعند ابن القیم: “مالا یعلم حصوله، أو لا تعرف حقیقته ومقداره”، ویقول الرملي: “الغرر ما احتمل أمرین أغلبهما أخوفهما”، وجاء نص معیار الغرر من هیئة المحاسبة: “الغرر: صفة في المعاملة تجعل بعض أركانها مستورة العاقبة (النتیجة)، أو هو: ما تردد أثره بین الوجود والعدم، ویكون العقد عندها دائراً بین احتمال الربح أو الخسارة”. وخلاصة القول أن بیع الغرر هو البیع الذي یتضمن خطراً یلحق أحد المتعاقدین فیؤدي إلى ضیاع ماله.( )
وينقسم الغرر من حيث مقداره إلى كثير ومتوسط ويسير، وينقسم من حيث أثره إلى مفسد للمعاملة أو غير مفسد لها. فالمتوسط يكون في الجعالة والحراسة مثلا، واليسير الذي لا يكاد يخلو منه أي عقد وليس من شأنه أن يؤدي إلى نزاع مثل بيع الدار دون رؤية أساسها. فاليسير والمتوسط لا يؤثرا في العقد، أما الكثير فهو ما غلب على العقد حتى أصبح العقد يوصف به ومن شأنه أن يؤدي إلى النزاع، وهذا يتأثر باختلاف البيئات والعصور ومرجعه إلى العرف مثل بيع الثمر قبل ظهوره والإجارة إلى أجل مجهول، وهذا الغرر يؤثر في العقد فيفسده. ( )
إن الأصل في الغرر التحريم، إذ لا يجوز شرعا إبرام عقد أو اشتراط شرط فيه غرر يفسد المعاملة. والغرر الذي تضمن خداعا أو تدليسا حرام ومنهي عنه، وعقد فيه غرر يعد باطلا، وذلك لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الحصاة وبيع الغرر. ( )
إلا أن هناك اختلاف بين الفقهاء حول المقصود بالغرر في التعاملات المالية التي تتم في السوق المالية، حيث يعتبر بعضهم أن بيع أصول مالية غير مملوكة (والذي يتم في السوق من خلال ما يسمى بالبيع على المكشوف) يعد غررا مستدلين في ذلك بحرمة بيع الإنسان ما ليس عنده المفسد لعقد البيع، ومن المعلوم أن علة النهي عن بيع ما لا يملك هي “العجز عن التسليم”، والظاهر لنا أنها منتفية في معاملات السوق المالية كون المتعامل يلتزم بتسليم ما باعه عاجلا في الموعد المحدد، وذلك بشرائه من السوق لأجل التسليم، وعليه إذا اشترط أن تنتهي الصفقة في البيع على المكشوف بين البائع والمشتري، بالتسلم والتسليم، والتملك والتمليك، وأنه تم الإستعاضة عن ذلك بالتسوية النقدية، فهو دليل على أن أغراض المتعاقدين المضاربة غير المشروعة.
ويقصد بالمضاربة هنا التعامل في الأصول المالية بالبيع والشراء في الأسواق المالية وليس المضاربة الفقهية. * وعرفت المضاربة بتعريفات كثيرة تدور في مجملها على البيع والشراء للأداة المالية بقصد تحقيق الربح من فروق الأسعار، ولا يكون مقصود مقتني الأداة الاستثمار بقصد الربح من ريع السهم وربحه الدوري. فلا مانع من ذلك في ظل توافق مجموعة الشروط السابقة أي عندما تتحقق كل الشروط الشرعية للسوق المالية الإسلامية تصبح المضاربة جائزة، لأن التجار لا يقتنون ما يقتنونه من أجل التملك وإنما من أجل تحقيق الفروق السعرية، ففي كل قطاعات الاقتصاد والتجارة المستثمرون لا يقصدون تملك أعيان أدواتهم المالية وبضائعهم وعقاراتهم وغير ذلك، وإنما يقصدون تحقيق الفروق السعرية، فإذا انتفى الغرر، والجهالة، والتلاعب، لا مانع من كون هذه طريقة مشروعة للاستثمار في ظل أن الفروق السعرية تنتج عن أسباب مصوغة من مثل نجاح الأداة المالية أو نجاح مصدرها، فشركة ناجحة يرتفع تلقائيا سعر سهمها وشركة فاشلة ينخفض، ويجدر التنبيه إلى أن الممارسات التي يسلكها بعض المضاربين للتأثير على الأسعار، مثل الإشاعات وعقد الصفقات الوهمية لا يؤثر على حقيقة المضاربة. لأن البيع والشراء بقصد الحصول على الفروق المصطنعة لا يتنافى مع المضاربة من حيث حقيقتها.( )
وعليه إذا روعي في معنى المضاربة العمل الذي تقوم به المضاربة وهو البيع والشراء بقصد الربح تكون المضاربة – بالاصطلاح المعاصر – نوعاً من المتاجرة والسعي لطلب الكسب، وأما إذا روعي في المضاربة معنى الكلمة المترجمة وهو التخمين والتنبؤ فإن الترجمة تكون غير دقيقة. ( )
وللحكم على مشروعية المضاربة يجب بيان حقيقتها وليس الحكم عليها بناءا على طبيعة سلوك المضاربين، ذلك أن المضارب قد يسلك طرقاً مشروعة، وقد يسلك طرقاً محرمة، وهذا لا ينافي حقيقة المضاربة. كما أن التاجر قد يسلك في تجارته طرقاً مشروعة وقد يسلك طرقاً محرمة، ولا ينافي ذلك حقيقة التجارة. وعليه فإن المضاربة المشروعة في السوق المالية الإسلامية هي التي تخلو من الممارسات غير المشروعة كالاحتيال والتلاعب والكذب والاشاعات ونحوها.( )
وبالتالي يمكن وضع الشروط التالية للمضاربة المشروعة في السوق المالية الإسلامية:
1) أن تتم عملية البيع أو الشراء بسعر معروف مسبقًا.
2) أن تكون المخاطرة محسوبة ومبنية على قدرة تنبؤية لدى المضارب.( ) أي أن لا تخرج المضاربة عن حدود المخاطرة المقبولة والمبنية على أسس مسببة للاستفادة من الفروق الطبيعية للأسعار.
3) أن لا تصاحبها ممارسات غير أخلاقية كالكذب والإشاعات والإحتكار وتقديم المعلومات المضللة.
4) أن لا تقوم على أساس ممارسات غير مشروعة تتعلق بأسلوب التعاقد كالبيع الصوري، بيع ما لا يملك وبيع ما لم يتم قبضه.
5) أن لا تشتمل المضاربة على أي محظور شرعي كالربا أو العقود الصورية، أو الغرر المنهي عنه أو الغبن أو الاحتكار أو بيع الإنسان ما لا يملك أو بيع الكالئ بالكالئ، أو غير ذلك من المحظورات التي نهى عنها الشارع.
ويتحقق الغرر في صيغ كثيرة من التعاملات التي تتم في الأسواق المالية التقليدية خاصة في المستقبليات والبيع على المكشوف. إذ أهم أسباب منعها الغرر، وليس فيها جهالة لأن الأصل المالي واضح ومحدد وسعره محدد أيضا ولكن الغرر موجود في مدى إمكانية إنهاء البيع بالتسليم أو عدمه، ففي لحظة تنفيذ العقد قد لا يتمكن البائع من أن يسلم، وهو الغرر، أما الجهالة فيمكن أن تكون في الثمن فبالتالي قد يكون موجود ولكن مجهول الثمن أو مجهول الكمية فبالتالي ليس فيه غرر ولكن فيه جهالة. وعليه يجب الحرص على التأكد من أن جميع المعاملات التي تتم في السوق خالية من الغرر المحرم.
8- الخلو من الجهالة، والجهالة لغة مأخوذة من الجهل، وهو ضد العلم ونقيضه وعدم معرفة الشيء، وجاء في لسان العرب “الجهالة أن تفعل فعلا بغير علم”. أما اصطلاحا فتعرف الجهالة بأنها “وصف لما علم حصوله وطوي عنا المراد منه أو جنسه أو نوعه أو صفته أو مقداره أو وقت وجوده”.( ) كما تعرف الجهالة في البيوع على أنها “ما علم حصوله وجهلت صفته”.( )
هناك فرق بين الجهالة والغرر، فالغرر قائم على احتمال الحصول وعدمه، أما الجهالة فالحصول فيها قائم لكن وجد الخفاء أو الجهل في الذات أو الجنس أو النوع أو الصفة أو المقدار.
ويقسم الفقهاء الجهالة أحيانا إلى ثلاثة أقسام : الجهالة الفاحشة المفضية للنزاع وهي جهالة الجنس أو الجهالة الكثيرة المانعة من التسليم والتسلم، والجهالة اليسيرة التي لا تفضي إلى النزاع وهي جهالة النوع أو الجهالة القليلة غير المانعة من التسليم والتسلم. وتوجد الجهالة الفاحشة في كل من الصيغة والعاقدين والثمن والمثمن والأجل. وذهب الفقهاء إلى بطلان العقد الذي دخلته الجهالة ولا يمكن تصحيحه. إلا أنه يمكن أن تزال الجهالة إما بالرؤية المبينة لحقيقة الشيء سواءا أكان ثمنا أو مثمنا أو بالوصف الذي يقوم مقام الرؤية. ( )
وفي سبيل التخلص من الجهالة في السوق المالية الإسلامية إصدارا وتداولا، فإن تحقيق شرط الإفصاح وشرط الشفافية بتفاصيلها واجراءاتها من الأهمية بمكان في كونها وسيلة ناجعة لتحقيق هذا الشرط.
وفي سبيل أن تخلو التعاملات من الجهالة لابد من التركيز على معلومية الاسعار ووضوحها وسهولة الوصول إليها حتى لا يقدم المتعاملون في السوق المالية الإسلامية على تعاملات إلا بناء على علم مسبق بالأسعار فتنتفي الجهالة بذلك.
9- الخلو من الاحتكار أو ما يؤول إليه : فإن كل ما أضر بالعامة حبسه فهو احتكار.( ) ، وقد منعت الشريعة الإسلاميةالاحتكار، وجعلته محرماً، فعن معمر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من احتكر فهو خاطئ” رواه مسلم.( ) والحكمة في تحريمه هو دفع الضرر عن عامة الناس.
ويظهر السلوك الاحتكاري في البورصة بما يسمى عمليات الإحراج، والتي يسعى من خلالها المضاربون لجمع وحبس الصكوك ذات النوع الواحد في يد واحدة، ثم التحكم في السوق، واستغلال حاجه المتعاملين في البورصة تعاملاً آجلاً للوفاء بالتزامهم، عن طريق فرض سعر معين عليهم بالنسبة لهذه الأدوات. وسيطرة أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة فى بورصات الأوراق المالية التقليدية يمكنهم من التأثير المخطط لإحداث ضرر جسيم بصغار المتعاملين.( ) وتعتبر هذه السيطرة نوع من أنواع الاحتكار التى نهى الشرع عنها.
10- الخلو من الغبن ، والغبن في اللغة هو النقص، أما في اصطلاح الفقهاء فهو أن يكو ن أحد البدلين في عقد المعاوضة لا يساوي الآخر في القيمة،( ) أي أن يكون أقل من قيمته أو أكثر منها. وهو نوعان: غبن يسير متسامح فيه لأنه يقع في كثير من المعاملات وهو يدخل في تقويم المقومين، وغبن فاحش وهو ما لا يدخل تحت تقويم المقومين كما لو اشترى كتابا ثمنه عشرة دنأنير بمائة. وقد اختلف الفقهاء في الحد الفاصل بينهما على أقوال والقول الراجح هو أن الحد الفاصل بينهما والفاحش يرجع فيه إلى العرف والعادة، لأن ما لم يرد الشرع بتقديره يرد إلى العرف والعادة، ويعرف هذا من أهل الخبرة في كل حرفة وصناعة وفن.( )
وينتج الغبن عن ممارسات غير مشروعة في السوق المالية كالخديعة، النجش، الغش، الكذب والتغرير. ومن صور التلاعبات التي تؤدي إلى احداث غبن في السوق، نجد مثلا:
‌أ) العمليات التي تهدف إلى خفض كبير في أسعار الأسهم لشركة معينة عن طريق بيع كميات كبيرة منها – وعلى المكشوف – دون أن يكون هناك سبب يتصل بالأداء الاقتصادي للشركة يبرر هذا الانخفاض تتبعه عمليات شراء أخرى لكميات كبيرة من هذه الأسهم بأسعار منخفضة جداً، مما ينتج عنه تحقيق أرباح كبيرة عندما تعود الأسعار إلى سعرها الطبيعي بعد ذلك.( )
‌ب) العمليات التي تتم عن طريق نشر أخبار كاذبة أو إشاعات والقيام بعمليات بيع موازية مقاربة أو في نفس مستوى الانخفاض لكي تزيد من الاتجاه نحو الأنخفاض(1).
ولتفادي وقوع الغبن في السوق يجب تحقق الشروط التالية:
1) وضع نظام سقف للأسعار، ونعني به تحديد نسب الارتفاع والانخفاض في الأسعار للحد من المغالاة المصطنعة للأسعار والتي تؤدي إلى الغبن.
2) التأكد من صحة البيانات المصرح بها، وعدم إغفال التصريح ببيان يتعلق بواقعة جوهرية يؤدي التصريح بها إلى التأثير على سعر أو قيمة الأداة المالية.
3) التأكد من عدم وجود غبن في علاوة الإصدار نتيجة تقديرها تقديرا مبالغ فيه، بحيث يجب التأكد من أنها قدرت بشكل مناسب.
4) وضع قوانين رادعة لمعاقبة كل من يقوم بتلاعب قد يؤدي إلى إحداث غبن، مع اتخاذ احدى الاجراءات التالية :
‌أ) بطلان العقود، وإلغاء الصفقات التي تمت على ورقة مالية معينة في وقت محدد، وإعادة الأدوات إلى محافظها الاستثمارية من باب السياسة الشرعية.( )
‌ب) صحة العقد وإبطال الخيار مع بقاء المطالبة بقيمة الغبن؛ لأن من غبن في بيعه فأنه يرجع بقيمة الغبن، كما أن لولي الأمر أن يلزم المضارب المتلاعب بغرامة مالية تتناسب وتغريره، وأكله أموال الناس بالباطل.( )
‌ج) تحديد التصرفات أو الممارسات التي تشكل تلاعبا أو تضليلا قد يؤدي إلى احداث غبن.
11- الخلو من النجش:
تتعدد تعاريف النجش المنهي عنه عند الفقهاء ولكنها متقاربة في المعنى حيث عرف على “أن يزيد أحد في السلعة وليس في نفسه شراؤها يريد بذلك أن ينتفع البائع ويضر المشتري”( ) ، ويحرم النجش عند جمهور العلماء وعلة تحريمه أنه من قبيل الكذب المحرم والخداع، ويترتب عليه إضرار بأحد المتعاقدين، ومع كونه لا يبطل عقد البيع فهو محرم وآثم فاعله.( )
ويتجلى النجش في سوق الأوراق المالية بما يسمى بعمليات التدوير وهي أن يقوم المضارب بالبيع على نفسه بكميات كبيرة، من خلال تعدد المحافظ التي باسمه، أو بأسماء أصدقائه، أو أفراد أسرته، أو بأسماء مجموعات متفق فيما بينها على هذا الأساس ثم تقوم هي نفسها بالبيع على البائع الأول، وإعادة هذا السهم بسعر أكبر إذا أريد للسهم الصعود، أو أقل إذا أريد له الهبوط، والهدف من ذلك إيهام المتداولين في السوق بأن هناك تغيّرات في سعر السهم.( )
12- الخلو من الخلابة
الخلابة في العقد هي أن يخدع أحد العاقدين الآخر بوسيلة موهمة قولية أو فعلية تحمله على الرضا في العقد بما لم يكن ليرضى به لولاها. وأصلها عن ابن عمر رضي الله عنه أن رجلا ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع فقال: ” إذا بايعت فلا خلابة” (أخرجه البخاري)( ). والخلابة لها عدة صور منها: الخيانة والتناجش.
تقوم كافة الأسواق بعرض أسعار كافة الصفقات التي تتم فيها وتسمح لبعض وسائل الإعلام بعرضها، ويحدث في كثير من الأحيان تلاعب في عرض شريط الأسعار، حيث يقوم البعض (بشكل غير معلن) عندما تبدأ الجلسة بالاتفاق على محاولة تثبيت أسعار منخفضة للسهم، ، وذلك في المرحلة التحضيرية لافتتاح جلسة العمل، ويكون على خلاف السعر الفعلي المخطط له، مما يسبب خداعا لبعض المتعاملين في السوق ويدفعهم لبيع أسهمهم بأسعار منخفضة خوفاً من انخفاضات أخرى.( )
13- الخلو من التغرير :
للتغرير تعاريف عدة منها إظهار الشيء بمظهر غير حقيقي، مع إعطائه صفة ليست له، لكي يستثير رغبة الطرف الآخر، فيقدم على إبرام العقد(2). وينقسم إلى تغرير قولي أو تغرير في السعر، كما لو قال البائع للمشتري أن هذه السلعة تساوي أكثر ولا تجد مثلها بهذا السعر، أو: دفع لي فلان فيها كذا فلم أقبل ونحو ذلك من المغريات الكاذبة. وتغرير فعلي أو تغرير في الوصف كوضع الجيد من البضاعة في الأعلى والرديء في الأسفل، وتلاعب بائع السيارة المستعملة بعداد قياس المسافة وإرجاع أرقامه لإيهام المشتري قلة استعمالها.
وهناك فرق بين التغرير والغرر، فالغرر هو مستور العاقبة والتغرير فعل أو قول ليخدع به آخر فالغرر هو الخطر، والتغرير الخداع والإيقاع في الخطر.
وفي حال إثبات أنه ما كان يرضي بالعقد على نحو ما ارتضاه عليه، لولا خديعته بتلك الحيل، وأنه قد ترتب على التغرير غبن فاحش للمتعاقد المغرور، فإنه يمكن له طلب فسخ العقد.
ويظهر التغرير في سوق المالية التقليدية فيما يطلق عليه طريقة “التصريف” عند إرادة المضارب بيع هذه الأسهم، وطريقة “التجميع” لمن أراد أن يشتري السهم. ففي الطريقة الأولى ينتهز المضارب فرصة ارتفاع القيمة السوقية لأسهم يمتلكها، فيقوم بالاتفاق مع أشخاص آخرين ببيعها عليهم بسعر أعلى من سعر السوق الجاري، ثم يقوم هؤلاء الأشخاص في نفس اليوم بإعادة بيعها له بسعر أعلى، مما ينتج مزيد من الارتفاعات في قيمتها السوقية ثم يقوم المضارب ببيع ما يملكه بالسعر المرتفع ثم تكون النتيجة تدهور سعر السهم.
والتصريف؛ معناه: بيع الأسهم التي يمتلكها، والتجميع: شراء هذه الأسهم بحيث يقوم المضارب بالشراء من نفسه، ورفع قيمة السهم السوقية من خلال تعدد المحافظ التي يديرها لجذب الانتباه، ولزيادة قيمة السهم للتسابق عليه قبل إقفال السهم النسبة اليومية له، فيقوم المتداولون بالشراء كي يظفروا ببعض الأرباح قبل الإقفال. فيقوم بالبيع والتصريف عليه، ولزيادة التغرير قد يلامس السهم النسبة القصوى لليوم أكثر من مرة، ثم يتدهور السهم بالنزول ثم يقوم بزيادة الشراء على نفسه حتى يرتفع ثم يقوم بالتصريف وهكذا حتى نفاد الكمية التي لديه.( )
وتجدر الإشارة إلى مفهوم التغرير في أغلب قوانين الأسواق المالية العربية والدولية لا يختلف عن مفهومه في الفقه الإسلامي، حيث تضع له هذه الأسواق موادا تعاقب فيها المغرر وتلزمه بالتعويض.( )
ومن أشكال التغرير في السوق المالية كذلك ؛ إدارة منظمة لنشر الإشاعات والمعلومات المغلوطة بطريقة توهم الحاصل عليها مما تدفعه لأخذ مراكز مالية بناء عليها، ثم يكتشف زيف المعلومات ؛ ولذا فإن شرط الإفصاح والشفافية يعد آلية فعالة في منع التغريير أو التقليل منه إلى حدود متدنية مما يعكس الرشد في سلوك المتعاملين في السوق.
14- الخلو من الغش
إن حقيقة الغش: “عدم إعلان ما في السلعة من نقص وعيب ولو لم يبذل جهدا في إخفائه بحيث يحتمل أن يزاد في ثمنها، هكذا بالباطل والخداع”. ومثل هذا يتنافى مع ما جاءت به الشريعة من عصمة المال عن الإضرار به، لذا حرم الغش بصورتيه: السلبية (وهي مجرد السكوت عن العيب والنقص)، والإيجابية (وهي القيام بجهد ما إخفاء للعيب أو تزيين السلعة)، وهذه الصورة الأخيرة أعلى صورتي الغش، وأشدهما في التحريم، ويعبر عن مجموع هذا في الاصطلاح الفقهي بالتدليس.( )
ويعرف الغش محاسبيا على أنه عبارة عن حذف أو تعديل أو اجراء قيود محاسبية بصورة عمدية بهدف إخفاء عجز أو تلاعب، أو اخفاء حقائق تتعلق بالأوضاع المالية للمشروع( ). وقد يظهر الغش في الإفصاح عن قوائم مالية غير صحيحة تظهر أرباحا أكثر من الأرباح الحقيقية للمشروع، بغية التأثير على أسعار الأسهم في السوق. إلا أن تحقق شرطا الشفافية والحوكمة الذي تم التركيز عليه من خلال عرض البحث للشروط الفنية كفيل بالقضاء على هذا النوع من الغش.
15- الخلو من التدليس
التدليس هو كتمان البائع العيب في المبيع عن المشتري مع علمه ليوهم المشتري خلو المبيع من العيوب، أو لجوء البائع إلى حيل ليغري المشتري على التعاقد.( )
فالشريعة الإسلامية تحرم التدليس وتجعل المسلم صادقا يبين عيوب سلعته لإخوانه المتعاملين معه في السوق، والفقهاء مجمعون على أن الحيل التي يلجأ إليها المتعاقد لخداع المتعاقد الآخر تؤثر على لزوم العقد، ويكون للمدلس عليه حق الخيار وهو ما يسمى بخيار العيب، وللعاقد حق الرجوع في العقد بعد تمامه إذا اطلع على عيب المعقود عليه.
وقد يحدث التدليس في السوق المالية عند الإخلال بأحد الشروط الفنية كالإفصاح والشفافية، فيقوم المتعامل بإخفاء معلومات داخلية عن المتعاقد الآخر ذات تأثير على أسعار الأسهم التي يراد التعامل بها، أو إساءة استغلال معلومات خاصة بالشركة وصلت إلى علمه بحكم مهنته أو وظيفته. كأن يتمكن المتعامل بالأسهم مثلا –نتيجة استغلاله المعلومات غير المعلنة لمصلحته الشخصية- من شراء الأسهم بسعر منخفض، لأن المتعامل الآخر لا يعلم بتلك المعلومات، حيث أنه في حال علمه بها يتمكن من بيع أسهمه بسعر أعلى.( ) فيكون بذلك قد خان الأمانة اضافة إلى التدليس. وإضافة إلى بطلان العقد على إدارة السوق أن تلزم ضرورة تعويض الطرف المتضرر.
كما يستحسن في هذا الباب تنظيم إجراءات خاصة تشجع على نشر المعلومات التي من شأن الإعلان عنها التأثير جوهرياً على أسعار الأسهم، لأن استغلال المعلومات يرجع إلى سبب أساسي هو سرية تلك المعلومات، ومن شأن ذلك قطع الطريق على من تسول له نفسه استغلال المعلومات.( )

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى