اعداد محاسب

العلاقة بين حسابات المشروع والحسابات القومية

تتميز المعطيات والمعلومات المحاسبية في حسابات المشروع (حـ/تشغيل، حـ/متاجرة و حـ/أرباح وخسائر من ثم قائمة المركز المالي أو الميزانية العمومية) بثلاث خصائص رئيسية هي:

1- الدقة النسبية للحسابات
2- التلاحم العضوي بين هذه الحسابات وترابطها مع بعضها البعض
3- التجدد الدوري للمعلومات المحاسبية.

ولذلك فان الحسابات الختامية في المشروع تشكل مصدرا هاما من مصادر تكوين الحسابات القومية.

إن كلا من النموذجين المحاسبيين (الحسابات القومية وحسابات المشروع) يقدم صورة مبسطة عن الفعالية الاقتصادية بمعنى أنه يسجل ويصف رقميا وبطريقة منظمة ومبوبة وقائع النشاط الاقتصادي حسب حدود مجاله الخاص بهدف استخلاص نتائج ذات معنى.

إن تطبيق مبدأ القيد المزدوج في كلا النموذجين هو الذي يعطيهما نوعا من التشابه، فمبدأ القيد المزدوج هو أساس عرض حسابات متوازنة وإن كان تطبيقه هو أكثر وضوحا ودقة في المحاسبة المالية أو في محاسبة المشروع منه في المحاسبة القومية لأسباب تتعلق بتوافر إحصاءات تفصيلية وشاملة.

إلا أنه رغم التشابه الظاهري بين كلا النموذجين المحاسبيين من حيث اعتمادهما على مبدأ القيد المزدوج ، فإن لكل منهما أهدافه ومنهجيته الخاصة به، حيث أن المحاسبة السائدة في المشروع لم تواكب جميع مفاهيم ومنهجية الحسابات القومية ومازالت هناك أوجه اختلاف عديدة من أهمها:

1- عدم وجود مفهوم مقابل لمفهوم القيمة المضافة:

يشكل مفهوم القيمة المضافة حجر الزاوية في إنشاء الحسابات القومية المتكاملة. فهو يعبر في احد جوانبه عن الفعالية الإنتاجية لمؤسسة ما أو لفرع إنتاجي أو قطاع معين تلك الفعالية الناجمة عن التأليف والتركيب بين عوامل الإنتاج من اجل خلق السلع والخدمات.

إن القيمة المضافة هي عبارة عن الفرق بين قيمة الإنتاج الممثل بالسلع والخدمات محسوبة وفق الأسعار المحتسبة أو المقدرة وبين قيمة الاستهلاكات الوسيطة (المستلزمات السلعية والخدمية) الضرورية لإبراز هذا الإنتاج إلى حيز الوجود.

أو أن القيمة المضافة هي الفرق بين قيمة الإنتاج وقيمة الاستهلاكات الوسيطة (الاستهلاكات الوسيطة هي عبارة عن المواد الأولية والسلع والخدمات الأخرى التي يتم استهلاكها من قبل مشروع ما من اجل الحصول على المنتجات التي يصنعها أو يحولها أو يوزعها وأيضا الخدمات التي ينتجها).

أن هذا المفهوم (القيمة المضافة) المستخدم في الحسابات القومية لا يوجد له مقابل في حسابات المشروع إلا انه من الممكن حساب القيمة المضافة انطلاقا من حسابات المشروع عن طريق حساب العناصر المحاسبية التي تكون القيمة المضافة.

2- اختلاف تواريخ تسجيل العمليات في كلا النموذجين:

يسجل محاسب المشروع (المصروفات أو الإنفاق) في الحسابات منذ اللحظة التي يقرر فيها، وان لم تدفع النفقة لأصحابها، أي يجري إثبات الحقوق المستحقة للآخرين في حسابات الذمم وتجري عملية التسديد أي الدفع الفعلي فيما بعد. بمعنى أنه توجد في محاسبة المشروع أحيانا عملية فصل تقرير النفقة واستحقاقاتها من جهة وعملية التسديد الفعلي لهذه النفقة من جهة أخرى. وهكذا فإن الأعباء الاجتماعية يمكن إن تسجل في حساب مناسب منذ اللحظة التي يدفع فيها العمال حصتهم منها، وقبل دفعها نهائيا إلى مؤسسة التأمينات الاجتماعية، وينطبق الأمر نفسه على أرباب العمل. بينما يهتم المحاسبون القوميون بالدرجة الأولى بتسجيل العمليات النقدية الفعلية أي بإدراج بنود الإنفاق اعتبارا من التدفقات المالية والنقدية التي رافقته والتي اعتبرت بمثابة إتمام لصفقة أو لعملية معينة. وبصدد أقساط التأمينات الاجتماعية فان المحاسبين القوميين لا يسجلونها في الحسابات القومية إلا عندما تدفع فعلا إلى مؤسسة التأمينات الاجتماعية. إن هذه الصيغة تحقق تماسكا في حسابات مختلف القطاعات المؤسسية بما تتيحه من تقابل بين حساباتها، وتجنب بالتالي خلق بنود دائنة ومدينة للتسويات.

3- اختلاف مفهوم اهتلاك الموجودات الثابتة:

يوجد لاهتلاك الموجودات الثابتة مفهومان مختلفان جذريا: مفهوم محاسبي (يستخدم في حسابات المشروع) ومفهوم اقتصادي (يستخدم في الحسابات القومية).

إن المفهوم المحاسبي يفترض إن أسعار السلع الرأسمالية ستبقى ثابتة خلال الفترة المقدرة لاستخدامها، وبالتالي يجرى حساب أقساط الاهتلاك السنوي التي يقتطعها المحاسبون من دخل المؤسسة للتعويض عن الجزء المهتلك من السلع الرأسمالية خلال الدورة المحاسبية حسب قيمة أو تكلفة اقتناء هذه السلع.

أما المفهوم الاقتصادي فيأخذ بالقيمة الاستبدالية للسلع الرأسمالية التي تخضع للاهتلاك، وبالتالي يجري حساب أقساط الاهتلاك على أساس هذه القيمة، إذ ليس المهم احتساب أقساط الاهتلاك وتحميلها لحسابات النتائج بصورة دورية، وإنما الغاية الأساسية من هذه العملية هي إجراء تراكم نقدي عبر الزمن من أجل الحفاظ على القيمة الاقتصادية للموجودات الثابتة أي تهدف إلى إعادة تكوين رأس المال عن طريف استبدال عناصره في اللحظات المناسبة.

فالمفهوم الاقتصادي هو تناقص قيمة الموجود الرأسمالي بالأسعار الجارية وهو يمثل الفرق بين القيمة الحالية للموجود والقيمة الواجب دفعها لإحلال موجود مماثل آخر جديد بدلا من الأول.

إن محاسبة المشروع تطبق المفهوم المحاسبي في حساب قسط الاهتلاك الدوري بينما تلجأ المحاسبة القومية إلى إجراء تقديرات دورية للتجهيزات والآلات والتشييدات أي للعناصر المكونة لرأس المال القومي، وتحتسب انطلاقا من هذه التقديرات التي تأخذ بعين الاعتبار تغيرات أسعار السلع الرأسمالية.

يجب تسجيل أقساط اهتلاك رأس المال في الحسابات القومية بغية حساب صافي الناتج أو الدخل القومي.

إن حساب الاهتلاك وفق المفهوم المحاسبي يتميز بالدقة النسبية، بينما تتميز طريقة حساب الاهتلاك وفق المفهوم الاقتصادي بالتقدير الجزافي وعدم الدقة نظرا لصعوبة حساب معدلات ارتفاع أسعار السلع الرأسمالية، وتعقيد حساب تراكم المخزون الرأسمالي.

4- اختلاف في مضمون مفهوم تكوين رأس المال:

إن مفهوم الإنفاق الرأسمالي في محاسبة المشروع هو أكثر اتساعا من المفهوم الخاص بالحسابات القومية، إذ أن المحاسبة القومية تستبعد الإنفاق المتعلق بالحصول على السلع الرأسمالية المستعملة، والإنفاق على شراء الأراضي.

وتعتبر نفقات التأسيس من عناصر الاستهلاك الوسيط، على العكس من ذلك فإن محاسبة المشاريع تدخل هذه العناصر ضمن بنود الموجودات الثابتة (تكوين رأس المال).

فضلا عن ذلك ، تعتبر محاسبة لمشاريع بعض النفقات جزءا من الإنفاق الجاري مثل التصليحات الجارية على الآلات والتجهيزات أو التشييدات والأبنية الصناعية، وبالتالي تحملها لحساب الأرباح والخسائر . بينما تعتبر المحاسبة القومية هذا النوع من الإنفاق إنفاقا رأسماليا أي جزء من تكوين رأس المال الثابت الذي يتم تسجيله في حساب رأس المال في الحسابات القومية ولا يجب اعتباره عبئا على النتيجة المحاسبية للدورة المالية كما هو الحال في نموذج حسابات المشروع.

5- الاختلاف في تفسير تغير المخزون السلعي:

أن تغيرات المخزون السلعي يجب أخذها بعين الاعتبار في المحاسبة القومية من أجل حساب قيمة الإنتاج النهائي، تتطابق مع التغيرات المادية (العينية) لعناصر هذا المخزون، أي مع حجم المخزون السلعي في نهاية المدة عن المخزون السلعي في بداية المدة، مع افتراض أن كلا من الكميتين قد جرى تقييمهما بنفس نظام الأسعار، بينما الأمر على العكس من ذلك في حسابات المشروع، إذ أن المخزون السلعي يسجل بسعر الشراء أو بسعر التكلفة وحيث أنه يتجدد باستمرار خلال العام نتيجة الصفقات التجارية أو العمليات الصناعية، فإن السلعة (أي سلعة) لا تدرج في الحسابات بنفس السعر الواردة به في المخزون السلعي أول المدة أو آخر المدة. أن الاختلاف بين قيمة هاتين الكتلتين، يقيس ليس فقط الزيادة العينية (أو النقص) ولكن أيضا تغيرات الأسعار الحاصلة بين تاريخ اقتناء المخزون الأولى والمخزون النهائي. والآثار الناجمة عن انخفاض أو ارتفاع الأسعار للسلع والمواد ليس لها مكان في الحسابات القومية عند تقدير تغير المخزون السلعي، وإنما يتم تقدير جزافي لتغير المخزون السلعي كميا، ثم يجرى التقييم على أساس الأسعار الوسيطة السائدة خلال الدورة موضوع البحث.

6- الاختلاف في مفهوم النفقة الجارية وعلاقتها مع مختلف العمليات الاقتصادية:

يخص هذا الموضوع عناصر الاستهلاك الوسيط إذ إن هذه النفقات تعتبر من وجهة نظر حسابات المشروع عبئا إما على حساب التشغيل ، المتاجرة أو الأرباح والخسائر، بينما تعتبر في نموذج الحسابات القومية جزءا من الاستهلاك الوسيط الذي اقتضته العملية الإنتاجية للمشروع من اجل إنتاج السلع والخدمات وخلق القيمة المضافة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى